مقال

الدكروري يكتب عن رجاء بن حيوة الكندي. 

الدكروري يكتب عن رجاء بن حيوة الكندي.

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

رجاء بن حيوة الكندي هو تابعي جليل، كبير القدر، ثقة فاضل عادل، وزير صدق لخلفاء بني أمية، وقد أثنى عليه غير واحد من الأئمة ووثقوه في الرواية، وله روايات وكلام حسن، فلما حضرت سليمان بن عبد الملك الوفاة، عزم وهو مريض أن يولي له ابنا صغيرا لم يبلغ الحلم، فاستشار رجاء بن حيوة فيمن يتولي الخلافة، وكان وزير صدق لبني أمية فقلت إن مما يحفظ الخليفة في قبره أن يولي على المسلمين الرجل الصالح، ثم شاورني في ولاية ابنه داود، فقلت إنه غائب عنك بالقسطنطينية ولا تدري أحي هو أو ميت، فقال من ترى؟ فقلت رأيك يا أمير المؤمنين، قال فكيف ترى في عمر بن عبد العزيز؟ فقلت أعلمه والله خيرا فاضلا مسلما يحب الخير وأهله، ولكن أتخوف عليه إخوتك أن لا يرضوا بذلك، فقال هو والله على ذلك.

 

وأشار رجال أن يجعل يزيد بن عبد الملك ولي العهد من بعد عمر بن عبد العزيز ليرضى بذلك بنو مروان، فكتب “بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عبد الله سليمان بن عبد الملك لعمر بن عبدالعزيز، إني قد وليته الخلافة من بعدي ومن بعده يزيد بن عبدالملك، فاسمعوا له وأطيعوا، واتقوا الله ولا تختلفوا فيطمع فيكم عدوكم” وختم الكتاب وأرسل إلى “كعب بن حامد العبسي” وهو صاحب الشرطة، فقال له اجمع أهل بيتي فمرهم، فليبايعوا على ما في هذا الكتاب مختوما، فمن أبى منهم اضرب عنقه، فاجتمعوا ودخل رجال منهم فسلموا على أمير المؤمنين، فقال لهم هذا الكتاب عهدي إليكم، فاسمعوا له وأطيعوا وبايعوا من وليت فيه، فبايعوا لذلك رجلا رجلا، وقال رجاء فلما تفرقوا جاءني عمر بن عبد العزيز، فقال أنشدك الله وحرمتي ومودتي.

 

إلا أعلمتني إن كان كتب لي ذلك، حتى أستعفيه الآن قبل أن يأتي حال لا أقدر فيها على ما أقدر عليه الساعة، فقلت والله لا أخبرك حرفا واحدا، قال ولقيه هشام بن عبد الملك، فقال يا رجاء إن لي بك حرمة ومودة قديمة، فأخبرني هذا الأمر إن كان إلي علمت، وإن كان لغيري فما مثلي قصر به عن هذا، فقلت والله لا أخبرك حرفا واحدا مما أسره إلي أمير المؤمنين، قال رجاء “ودخلت على سليمان فإذا هو يموت، فجعلت إذا أخذته السكرة من سكرات الموت أحرفه إلى القبلة، فإذا أفاق يقول لم يأن لذلك بعد يا رجاء، فلما كانت الثالثة قال من الآن يا رجاء إن كنت تريد شيئا، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله” قال فحرفته إلى القبلة فمات رحمه الله، فغطيته بقطيفة خضراء وأغلقت الباب عليه وأرسلت إلى كعب بن حامد فجمع الناس في مسجد دابق.

 

فقلت بايعوا لمن في هذا الكتاب، فقالوا قد بايعنا، فقلت بايعوا ثانية، ففعلوا، ثم قلت قوموا إلى صاحبكم فقد مات، وقرأت الكتاب عليهم، فلما انتهيت إلى ذكر عمر بن عبد العزيز تغيرت وجوه بنى مروان، فلما قرأت وإن يزيد بن عبد الملك بعده، تراجعوا بعض الشيء، ونادى هشام لا نبايعه أبدا، فقلت أضرب عنقك والله، قم فبايع، ونهض الناس إلى عمر بن عبد العزيز وهو في مؤخر المسجد، فلما تحقق ذلك، قال إنا لله وإنا إليه راجعون، ولم تحمله رجلاه حتى أخذوا بضبعيه فأصعدوه على المنبر، فسكت حينا، فقال رجاء بن حيوة ألا تقوموا إلى أمير المؤمنين فتبايعوه، فنهض القوم فبايعوه، ثم أتى هشام فصعد المنبر ليبايع، وهو يقول إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال عمر نعم، إنا لله وإنا إليه راجعون، الذي صرت أنا وأنت نتنازع هذا الأمر، ثم قام فخطب الناس خطبة بليغة وبايعوه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى