مقال

الدكرورى يكتب عن مسجد الضرار.

الدكرورى يكتب عن مسجد الضرار.

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

إن المنافقين في كل مكان وزمان فهم فئة من البشر لا يخلو مجتمع من وجودهم وإن من أبرز المخططات النفاقية التي سجلها القرآن الكريم وصمة عار على جبين المنافقين إلى يوم القيامة، هو مخطط مسجد الضرار الذي دبره المنافق أبو عامر الراهب مع فريق من المنافقين من جهة ومع الروم من الجهة الأخرى، بقصد القضاء على المسلمين سرا وهم غافلون، وإن النفاق ديانة جوفاء وقائمة على الكذب والخداع والجبن والطمع، وقد اتخذت من إظهار الإسلام سربال أمان، تمتنع به من عداء أهله، وتجعله غطاء لحراكها العفن في إلحاق الخبال بالمسلمين بطرقها الخفية ومكرها الكبّار فكانت كالسوس النخر الخبء في أصول الشجر، ومن هنا بات هذا الداء أعظم ما يواجه الأمة خطرا وفتكا على مدى الأزمان، وتبرز خطورة النفاق والمنافقين على المؤمنين.

 

في تدبير المؤامرات وحبك الدسائس ضد المسلمين والمشاركة فيها والاستجابة لمروجيها، لأنهم قوم بهت خونة لا تصفو مودتهم لأحد، ولا يسلم من أذاهم بشر، وقد صدق فيهم قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ” تجدون شر الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه” رواه البخاري ومسلم، وروي أن بني عمرو بن عوف لما بنوا مسجد قباء، وكان يأتيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصلي فيه، حسدتهم بنو غنم بن عوف، وقالوا نبني مسجدا ونرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيه، ويصلي فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام، ليثبت لهم الفضل والزيادة على إخوانهم، وأبو عامر هو الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم الفاسق، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

“لا أجد قوما يقاتلونك إلا قاتلتك معهم” فلم يزل يقاتله إلى يوم حُنين، فلما انهزمت هوازن، خرج هاربا إلى الشام، وأرسل إلى المنافقين أن استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح، فإني ذاهب إلى قيصر، وآت بجنود، ومخرج محمدا وأصحابه من المدينة، فبنوا مسجد الضرار إلى جانب مسجد قباء، وقالوا للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والشاتية، ونحن نحب أن تصلي لنا فيه، وتدعو لنا بالبركة، فقال صلى الله عليه وسلم “إني على جناح سفر وحال شغل، وإذا قدمنا إن شاء الله صلينا فيه” فلما قفل من غزوة تبوك، سألوه إتيان المسجد، فنزل قوله تعالى في سورة التوبة .

 

“والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل، وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى، والله يشهد إنهم لكاذبون، لا تقم فيه أبدا، لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه، فيه رجال يحبون أن يتطهروا، والله يحب المطهرين” فدعا بمالك بن الدخشم، ومعن بن عدي، وعامر بن السكن، ووحشي قاتل حمزة، فقال لهم “انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله، فاهدموه واحرقوه” ففعلوا، وأمر أن يجعل مكانه كناسة تلقى فيها الجيف والقمامة، وكانت الحكمة من قصة بناء مسجد الضرار، وهى أن قام المنافقون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بأفعال مشينة لتفريق المؤمنين، ومن بين تلك الأشياء التي فعلوها هي بناء مسجد ضرار، وهو المسجد الذي تم بنائه لأبي عامر الذي عُرف بأبي عامر الراهب.

 

والذي كان متنصرا في العهد الجاهلي وكان المشركون يقومون بتعظيمه، وحينما جاء نبي الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بالدعوة إلى الإسلام قام بالفرار إلى الكفار، وقد قامت طائفة من المنافقين بالعمل على بناء ذلك المسجد وكان قصدهم من بنائه أن يكون لأبي عامر ولم تكن نيتهم أنه إرضاء لله ورسوله، فأنزل الله فيه ” لا تقم فيه أبدا ” فهدمه النبي صلي الله عليه وسلم وأحرقه فهو مسجد خاص، يُلحق به في الذم وعدم الثواب، فإن مسجد الضرار ما هو إلا صورة جامدة للنفاق والمنافقين، فقد يتمثل ذلك المسجد في منافق يمشي بالنفاق بين الناس يخذلهم ويثبطهم عن نصرة الإسلام والمسلمين والدفاع عن كرامتهم وحماية حقوقهم، وينشر بينهم من الرذائل والموبقات ما تنهدم به مجتمعاتهم، وتفسد به أخلاقهم.

 

ويجب أن نعلم أن كل عمل فيه مضارة لمسلم أو فيه معصية لله تعالى أو فيه تفريق بين المؤمنين أو مساعدة لمن عادى الله ورسوله فإنه محرم ممنوع منه، فليحذر كل مسلم من المشاركة بماله أو بجهده في شيء من ذلك، فإن كل من شارك بماله في باطل أو باع أذى للمسلمين أو أعان نشر فساد بينهم أو عقد عقدا أو أجرا فيه ضرر على المسلمين فهو كالمنافقين الذين اتخذوا مسجد الضرار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى