مقال

الدكروري يكتب عن معركة القادسية “جزء 8”

الدكروري يكتب عن معركة القادسية “جزء 8”

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء الثامن مع معركة القادسية، وأدرك المسلمون قوة الفرس، فإن المسلمين قد اعتادوا في المعارك السابقة انتهاء المعركة في يوم واحد وقبل الظهر، ولكن هذه المعركة لم تتحقق فيها نتيجة حتى بعد غروب الشمس، وإن كانت الغلبة ظاهرة في هذا اليوم في صف الفرس إلى حد ما، وقد استشهد في أول أيام القادسية من المسلمين خمسمائة شهيد، منهم أربعمائة شهيد أو أكثر من قبيلة أسد وحدها التي قامت تذب عن قبيلة بجيلة، وتم قتل من الفرس أكثر من ألفين، وكان في المسلمين إصابات كثيرة، ولم يقع قتال بين الفريقين في هذه الليلة وسميت بليلة الهدأة، وبدأ المسلمون بجمع شهدائهم ونقلهم إلى منطقة “عذيب الهجانات” وتقع قبل القادسية بميل أو أكثر، ونقلهم المسلمون على الإبل حيث كانت النساء ينتظرن المسلمين.

 

حيث كان المسلمون قد خرجوا إلى القادسية منذ شهور، وأخذوا معهم نساءهم، وعسكروا في منطقة “عذيب الهجانات” في مؤخرة الجيش الإسلامي، وكان على النساء حبيب بن جرير الأنصاري، بالإضافة إلى اختصاصه بشئون الجرحى والشهداء، وبدأت النساء بحفر القبور، ولا تدري أيتهن من يُدفن في هذا القبر إن كان أباها أو أخاها أو ابنها، ودُفن الشهداء في الليلة نفسها، وتجهز المسلمون لملاقاة الجيش الفارسي في اليوم الثاني، وقد سُمي اليوم الأول في معركة القادسية بيوم أرماث، وبدأت المعركة عندما اختطف المسلمون عددا من جنود الفرس وقاموا بقتلهم، ثم بدأ القتال والتقى الجيشان، وكان الفرس يستخدمون الفيلة في القتال، فتقدم نحو ستة عشر فيلا باتجاه المسلمين، فنفرت الخيل وتراجعت وكان بنو أسد أول من اصطدم بالفيلة فردوهم بثباتهم وعزيمتهم.

 

وكان كل فيل يحتاج قرابة عشرين رجلا حتى يتراجع، وعندما لاحظ الفرس ثبات كتائب بني أسد كثف عليهم الضغط وهاجمهم دون غيرهم وأصيب منهم عدد كثير من الرجال، وكان لهم الفضل في رد هجوم الفرس واحتوائه في اليوم الأول، وفي هذه الليلة تجلس الخنساء مع أبنائها الأربعة، لتحفزهم على القتال، وألا يفروا من المعركة إذا حمي وطيس الحرب، وأن يكونوا على الجنة أحرص منهم على الحياة، وهي التي بكت سنين على أخيها صخر عندما قتل في الجاهلية، وكانت شاعرة من شاعرات العرب في الجاهلية، ومَنّ الله عليها بالإسلام، وخطبت في أبنائها فقالت “إنكم أسلمتم طائعين، وجاهدتم مختارين، وقد تعلمون ما أعد الله تعالي للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، فإذا أصبحتم غدا سالمين.

 

فاغدوا على قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين” وفى اليوم الثانى قد وصل مدد من الشام، وهم الذين كانوا مع القائد خالد بن الوليد، فعادوا بناء على أوامر من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وفيهم القعقاع بن عمرو وهاشم بن عتبة، وكانوا في ستة آلاف مقاتل، وكان وصول القعقاع في صبيحة يوم أغواث، وخرج القعقاع من فوره ونادى للمبارزة، وخرج له ذو الحاجب بهمن جاذويه، فأخرج له البيرزان والبندوان، فخرج مع القعقاع الحارث بن ظبيان فبارزاهما وقتلاهما، ونشط المسلمون واقتتل الجيشان حتى المساء، وكانت الغلبة للمسلمين في هذا اليوم، ولم يقاتل الفرس بالفيلة هذا اليوم لتكسر توابيتها في اليوم الأول، حيث لم يتمكنوا من إصلاحها، لذلك خرجت من المعركة، وقاتل المسلمون بمعنويات كبيرة في غيابها.

 

وسُمي اليوم الثاني يوم أغواث، وقد وصل في هذا اليوم مدد من المسلمين ووصلوا إلى القادسية واندمجوا مع الجيش وبدؤوا بالقتال على الفور، والتحم الجيشان وبقي القتال دائرا حتى المساء وكان اليوم الثاني يوم نصر للمسلمين ولم تدخل فيلة الفرس في القتال في هذا اليوم فقاتل المسلمون بمعنويات مرتفعة وكل ذلك بفضل طاعة الله عز وجل فطاعة الله سبحانه وتعالى هى حصن عظيم، يلجأ إليه الصالحون في الشدائد فينصرهم الله وينجيهم من كل كيد ولهذا كان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما أمّره على أحد الجيوش الإسلامية، أما بعد “فإني آمرُك ومن معك من الأجناد بتقوى الله في كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدّة على العدو وأقوى المكيدة على الحرب، وآمرُك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا منكم من عدوكم.

 

فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينتصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة لأن عددنا ليس كعددهم، وعدتنا ليست كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإن لم ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا، واعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا عدونا شر منا فلن يسلط علينا، فرب مسلط عليهم من هو شر منهم” وإن للنصر أسبابا وإن للخذلان أسبابا، وإن الواجب على المسلمين جميعا أن يأخذوا بأسباب النصر وعوامل التمكين ومقومات العزة في كل زمان ومكان، فذلك فرض إلهي، وأصل ذلك وركنه الأساسى هو تحقيق توحيد الله سبحانه وتعالى، والبعد عن الشرك ووسائله، وطرقه وذرائعه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى