مقال

الدكروري يكتب عن الفاروق عمر بن الخطاب “جزء 2”

الدكروري يكتب عن الفاروق عمر بن الخطاب “جزء 2”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع الفاروق عمر بن الخطاب، ولعل أم كلثوم تذكرت آنذاك حادثة شبيهة بتلك، جرت مع ابن زوجها عبد الله بن عمر، حين اشترى عبد الله إبلا هزيلة وأرسلها إلى الحمى حيث يرعى المسلمون أنعامهم، فما مضى وقت قليل إلا وسمنت هذه الإبل، فلما دخل عمر السوق لفت نظره تلك الإبل السمينة، فسأل لمن هي، فقالوا لعبد الله بن عمر، فتغير لونه واستدعى ابنه على الفور، فلما قدم سأله غاضبا ما هذه الإبل يا عبد الله؟ لم يدرك عبد الله سر غضب والده فأجابه متلطفا إبل هزيلة يا والدي اشتريتها، وبعثت بها إلى الحمى ابتغي بها ما يبتغي المسلمون، فقطب عمر جبينه وقال بحدة، ويقول المسلمون ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، يا عبد الله خذ رأس مالك واجعل الربح في بيت مال المسلمين.

 

وعندما تذكرت أم كلثوم هذه الحادثة وربطتها بحادثة العقد جرت دمعة على وجهها وهي تتمتم في سرها، كان الله في عونك يا أمير المؤمنين وجعلني سندا لك فيما حملته من أمانة الخلافة ومسؤولياتها، وقيل أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يحب الحسن والحسين رضي الله عنهما ويجلهما فهما من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال فيهما النبي صلى الله عليه وسلم أحب الله من أحبهما، ويروى في هذا أن حللا من اليمن أتته فوزعها على من حضر من الناس، فلما انتهى من التوزيع لمح الحسن والحسين قادمين فبدى الأسف على وجههه، أتعلمون لماذا؟ لأنهما لم يبقي لهما من تلك الحلل شيء، فكتب إلى واليه على اليمن أن ابعث بحلتين للحسن والحسين وعجل بهما، فأرسل إليه حلتين جميلتين فكساهما، ويروي الحسين رضي الله عنه القصة التالية.

 

فيقول قال لي أمير المؤمنين عمر ذات يوم يا بني لو أنك تأتينا وتغشانا فإنا نرحب بك، فجاء الحسين يوما إلى عمر وعنده معاوية بن أبي سفيان لعمل يهم المسلمين، وعبد الله بن عمر واقف بالباب لم يؤذن له بالدخول، فرأى ذلك الحسين فعلم أن الوقت غير مناسب للزيارة فرجع، فلقيه عمر بعد أيام قليلة، فعاود دعوته لزيارته قائلا يا بني لم أرك أتيتنا، فقال له الحسين جئت إليك يا أمير المؤمنين لكنك كنت مشغولا بأمور المسلمين، وكان عندك معاوية بن أبي سفيان، فرأيت ابنك عبد الله رجع فرجعت معه، نظر إليه عمر بحب عظيم وقال وهو يضع يده على رأسه أنت أحق بالإذن من عبد الله بن عمر، إنما أنت من رؤوسنا ما ترى، الله الله ثم أنتم آل البيت، وإن الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه تم قتلة ظلما وعدوانا، وتلك شهادة وحُسن ختام.

 

وطُعن رضي الله عنه وهو يصلي، وهذا أيضا من حُسن خاتمته، وما قضى نحبه رضي الله عنه وأرضاه إلا وقد قام بحقوق رعيته، فمضى وهم عنه راضون، وفجعوا بقتله رضي الله عنه وناله من دعائهم واستغفارهم له ما ينفعه، وتلك من علامات الخير، وعلى الرغم من أنه رضي الله عنه ممن شهد لهم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالجنة، وأخبر صلى الله عليه وسلم في بعض أحاديثه أنه رأى قصرا لعمر في الجنة، فإن عمر لم يغتر بذلك، بل اجتهد في الخير حتى خُتم له بأعمال صالحة كثيرة، كانت دليلا على حُسن خاتمته، رضي الله عنه وأرضاه، وكان أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله، عنه مثالا للخليفة العادل، المؤمن المجاهد النقي الورع، القوي الأمين، الحصن المنيع للأمة وعقيدتها، فقضى رضي الله عنه خلافته كلها.

 

في خدمة دينه وعقيدته وأمته التي تولى أمر قيادتها، فكان القائد الأعلى للجيش، والفقيه المجتهد الذي يرجع الجميع إلى رأيه، والقاضي العادل النزيه، والأب الحنون الرحيم بالرعية، صغيرها وكبيرها، ضعيفها وقويها، فقيرها وغنيها، الصادق المؤمن بالله ورسوله، السياسي المحنك المجرب، والإداري الحكيم الحازم، وقد أحكم بقيادته صرح الأمة، وتوطدت في عهده دعائم الدولة الإسلامية، وتحققت بقيادته أعظم الانتصارات على الفرس في معارك الفتوح، فكانت القادسية والمدائن وجلولاء ونهاوند، وتم فتح بلاد الشام ومصر من سيطرة الروم البيزنطيين، ودخل الإسلام في معظم البلاد المحيطة بالجزيرة العربية، وكانت خلافته سدا منيعا أمام الفتن، وكان عمر نفسه بابا مغلقا لا يقدر أصحاب الفتن الدخول إلى المسلمين في حياته، ولا تقدر الفتن أن تطل برأسها في عهده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى