مقال

الدكروري يكتب عن الرحلة الأرضية والسماوية ” جزء 4″ 

الدكروري يكتب عن الرحلة الأرضية والسماوية ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الرابع مع الرحلة الأرضية والسماوية، وأما عن الوقفة الثالثة، وهي في قوله تعالى “ليلا” مع أن الإسراء لا يكون إلا ليلا، وذلك ليبين لنا أن هذه الرحلة تمت في جزء من الليل ذهابا وإيابا، ولو قال سبحانه وتعالي “أسرى بعبده في الليل” لربما توهم متوهم أن الرحلة استغرقت الليل كله، وقد قال علماء النحو على أن “أل” التعريف إذا دخلت على كلمة “ليل” استغرقته، فإذا قلت “سهرت الليل” فهذا يعني أنك سهرت الليل كله، وإذا قلت “سهرت ليلا” فهذا يعني أنك سهرت جزءا من الليل، وقد قال الله تعالى عن الملائكة كما جاء في سورة الأنبياء “يسبحون الليل والنهار لا يفترون” أي أنهم يسبحون كل الليل وكل النهار، ولو قال تعالي “يسبحون ليلا ونهارا” لكان المعنى أنهم يسبحون جزءا من الليل وجزءا من النهار، كما أن الإسراء كان ليلا لا نهارا.

 

لأن الليل هو وقت تنام فيه العيون، ويهدأ فيه الضجيج، ويخشع فيه الكون كله، فتطيب المناجاة، ويحلو الدنو والقرب والوصال، كما أن الإسراء حدث ليلا لتظل المعجزة غيبا يؤمن بها من يؤمن بالغيب، ولو حدثت في النهار لرآه الناس أثناء ذهابه أو عودته، فتصبح المسألة عندئذ حسية مشاهدة لا مجال فيها للإيمان بالغيب، وأما عن الوقفة الرابعة، وهي في قوله تعالى “من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي” فهذه الرحلة كانت بين مسجدين من المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها، وفي قوله تعالى ” من المسجد الحرام” مع أن بعض الروايات تذكر أن الإسراء كان من بيت السيدة أم هانئ وهو خارج المسجد للدلالة على أن مكة كلها مسجد، فما دخل في المسجد الحرام من توسعة حكمه حكم المسجد الحرام، وسُمّي المسجد الحرام بهذا الاسم لحُرمته.

 

أي لشرفه على سائر المساجد، لأنه خُص بأحكام ليست لغيره، وسُمّي المسجد الأقصى بهذا الاسم لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام، مع أنه لم يكن في ذلك الوقت مسجد تقام فيه الصلاة في بيت المقدس للدلالة على أن هذا المسجد سيُبنى وستقام فيه الصلاة، ومن المعلوم أن المسجد الأقصى وُضع بعد الكعبة بأربعين عاما، وأما عن قوله تعالى ” الاقصي” إشارة إلى أنه سيوجد بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى مسجد آخر قصي لأننا في بُعد المسافة نقول “هذا قصي” أي بعيد و”هذا أقصى” أي أبعد، وقد كان فيما بعد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمسجد النبوي قصي بالنسبة للمسجد الحرام، ومسجد بيت المقدس هو الأقصى، كما أن في الرحلة إلى المسجد الأقصى إشارة إلى أن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة للبشرية، كملت على يد رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم.

 

بعد أن مهد لها الأنبياء والمرسلون ولهذا استووا صفوفا خلفه ليصلي بهم إماما، كما أن في اجتماع الأنبياء في المسجد الأقصى تأكيدا لحرمته وبيانا لعظمته ودعوة لأتباع كل الرسل أن يصونوه وأن يحرروه وأن يدافعوا عنه وأن يطهروه من دنس المحتلين، وأما عن الوقفة الخامسة وهي في قوله تعالى ” الذي باركنا حوله” أي بمعني أحطنا ما حوله ببركات الدين والدنيا لأن ما حوله هو مهبط الوحي والملائكة، ومحراب الأنبياء ومكان عروجهم إلى السماء، ولذلك قال الخليل إبراهيم عليه السلام كما جاء في سورة الصافات ” إني ذاهب إلي ربي سيهدين” أي إلى حيث وجهني ربي أي إلى بر الشام، وقال تعالي “باركنا حوله” ولم يقل “باركناه” وذلك لتشمل المباركة المسجد وما حول المسجد، ولو قال “باركناه” لكانت المباركة للمسجد فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى