مقال

الدكروري يكتب عن تحويل القبلة في الشريعة الإسلامية ” جزء 10″

الدكروري يكتب عن تحويل القبلة في الشريعة الإسلامية ” جزء 10″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء العاشر مع تحويل القبلة في الشريعة الإسلامية، ثم إنه ينبغي التنبيه إلى أنه صلى الله عليه وسلم كان يستقبل بيت المقدس وهو في مكة وكان يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس فيستقبلهما معا كما يفيده حديث ابن عباس رضي الله عنهما “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه وبعد ما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرا ثم صرف إلى الكعبة” رواه الإمام أحمد، وإن من دروس لتلك الواقعة هو أنه ترسخ حادثة تحويل القبلة في المسلمين تعظيم ربهم سبحانه، فهو الغاية الكبرى وإن اختلفت الوجهة، وأنها تشجّع الإنسان على تحويل حاله طلبا لرضا الحق سبحانه فتغيير علاقة العبد بربه للأفضل سبب لتغيير جميع أحواله، حيث قال سبحانه وتعالي في سورة الرعد ” إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم”

 

ولقد كان تحويل القبلة بمثابة تمحيص واختبار لكافة الأطياف في المجتمع، وكان للمؤمنين إيمانا صادقا وهدي ونورا فحينما تلقوا أمر الله تعالى بالتحول إلى البيت الحرام سارعوا إلى امتثال الأمر ولسان حالهم يقول، كما جاء في سورة البقرة ” سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير” أما المشركون، فزادهم هذا الأمر كفرا على كفرهم، وعنادا على عنادهم، وقالوا يوشك أن يرجع محمد صلي الله عليه وسلم إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا فخاب ظنهم، وكسد سعيهم، وباؤوا بغضب على غضب، وأما اليهود فقالوا لو كان محمد صلي الله عليه وسلم نبيا حقا لم يخالف قبلة الأنبياء قبله، أما وإنه قد خالفها فليس بنبي، وأما المنافقون الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا خلافه فتحيّروا وترددوا وقالوا لو كانت القبلة الأولى حقا فقد ترك الحق، وإن كانت القبلة الثانية هي الحق.

 

فقد كان على باطل، وكثرت الأقاويل، وفتن أناس وهم من لم يرسخ الإيمان في قلوبهم عن الحق، وتكلم كل سفيه ضعيف العقل بما وافق هواه، وقد صور المولى سبحانه وتعالى هذه الأحوال، وهذه الأجواء في صورة بديعة، وسطرها في كتابه الكريم، فكل نجاح وفلاح في التسليم لأمر الله تعالى والانقياد، والهلاك والخسران في الاستكبار عن أمره والعناد، وأيضا من الدروس المستفاده هو تأكيد عظم مكانة النبي الكريم صلي الله عليه وسلم وعلو قدره عند ربه سبحانه وتعالى، فقد كان صلي الله عليه وسلم يحب أن يتوجه في صلاته إلى البيت الحرام، وتهفو روحه إلى استقبال أشرف بقاع الدنيا ليستعيد ذكريات الحنيفية الإبراهيمية لكن أمر الله تعالى كان مقدما في نفسه على ما يحب ويهوى، فقابل الله تسليمه وتقديمه لأمره بتحقيق رغبته، فأمره بالتحول إلى الكعبة.

 

شرفها الله وأدام حولها ذكره وعبادته، ويقول الإمام الواحدي في كتاب أسباب النزول، في مناسبة نزول هذه الآية وذلك أن النبي صلي الله عليه وسلم، قال لجبريل عليه السلام ” وددت أن الله تعالي صرفني عن قبلة اليهود إلي غيرها، وكان يريد الكعبة لأنها قبلة الخليل إبراهيم عليه السلام، فقال له جبريل عليه السلام ” إنما أنا عبد مثلك لا أملك شيئا، فسئل ربك يحولك عنها إلي قبلة إبراهيم” ثم ارتفع جبريل عليه السلام وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلي السماء رجاء أن يأتيه جبريل عليه السلام بما سأله، فأنزل الله تعالي هذه الآية الكريمة” ويخبر ربنا سبحانه وتعالى عن هذا المعنى بأسلوب رائق رائع يصور مشاعر رسوله صلي الله عليه وسلم تجاه البيت الحرام، ويصور عطف المولى سبحانه على حبيبه صلي الله عليه وسلم.

 

فيقول تعالى ” قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره” فلنعرف لنبينا صلي الله عليه وسلم قدره، ولنعظم في أنفسنا شأنه، فالخير كل الخير في اتباعه، واقتدائه، وتوقيره، وإن من الدروس هو تأكيد العلاقة الوثيقة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، فالمسجد الحرام هو أول بيت وُضع في الأرض لعبادة الله تعالى، وثانيها هو المسجد الأقصى المبارك كما جاء في حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي أخرجه الإمام البخاري رحمه الله، عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال، قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال صلي الله عليه وسلم ” المسجد الحرام” قلتـ ثم أي؟ قال صلي الله عليه وسلم ” ثم المسجد الأقصي” قلت كم كان بينهما؟ قال ” أاربعون” ثم قال ” حينما أدركتك الصلاة فصلي، والأرض لك مسجد”

 

فقرن صلي الله عليه وسلم بين المسجدين ليثبت القدسية لكليهما وليعرف المسلم قيمة المسجد الأقصى، وأنه لا يقل مكانة عن المسجد الحرام، وأن التفريط في أحدهما أو التهاون في حقه يُعد تهاونا وتفريطا في حق الآخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى