مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن الجوزي “جزء 1”

الدكروري يكتب عن الإمام إبن الجوزي “جزء 1”

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الإمام إبن الجوزي هو أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد القرشي التيمي البكري، وهو فقيه حنبلي محدث ومؤرخ ومتكلم، وقد ولد وتوفي في بغداد، وحظي بشهرة واسعة، ومكانة كبيرة في الخطابة والوعظ والتصنيف، كما برز في كثير من العلوم والفنون، وقد ولد ابن الجوزي سنة خمسمائة وعشرة من الهجرة ببغداد، ومات أبوه وله ثلاثة أعوام، فتولت عمته تربيته لزواج أمه، فنشأ ابن الجوزي يتيما يتنقل بين أقاربه الذين كانوا يعملون في تجارة معدن النحاس، فلما أنست منه عمته عزوفا عن اللهو والتجارة دفعت به إلى طريق العلم، فلزم مسجد محمد بن ناصر الحافظ، وجلس لسماع الدروس والحديث، ثم لزم حلقة الشيخ ابن الزغواني شيخ حنابلة العراق، فظهر نجمه، وتقدم على أقرانه، وكان وهو صبي دينا مجموعا على نفسه لا يخالط أحدا.

 

ولا يجاري أترابه في لهوهم ولعبهم، ويعود نسبه إلى محمد بن أبي بكر الصديق، وقد عرف بابن الجوزي لشجرة جوز كانت في داره ببلدة واسط، ولم تكن بالبلدة شجرة جوز سواها، وقيل نسبة إلى فرضة الجوز، وهي مرفأ نهر البصرة، فهو الإمام العالم المؤرخ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حمادى بن أحمد بن محمد بن جعفر الجوزي بن عبد الله بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبدالرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي القرشي، وكان أهله تجارا في النحاس، وقد توفي والده علي بن محمد وله من العمر ثلاث سنين، وعلى الرغم من فراق والده في طفولته فقد ساعده ثروة أبيه الموسر في توجهه لطلب العلم وتفرغه له، فقد ترك له من الأموال الشيء الكثير.

 

وقد بين أنه نشأ في النعيم، بقوله في صيد الخاطر، فمن ألف الترف فينبغي أن يتلطف بنفسه إذا أمكنه، وقد عرفت هذا من نفسي، فإني ربيت في ترف، فلما ابتدأت في التقلل وهجر المشتهى أثر معي مرضا قطعني عن كثير من التعبد، حتى أني قرأت في أيام كل يوم خمسة أجزاء من القرآن، فتناولت يوما ما لا يصلح فلم أقدر في ذلك اليوم على قراءتها، فقلت إن لقمة تؤثر قراءة خمسة أجزاء بكل حرف عشر حسنات، إن تناوله لطاعة عظيمة، وإن مطعما يؤذي البدن فيفوته فعل خير ينبغي أن يهجر، فالعاقل يعطي بدنه من الغذاء ما يوافقه، وقد عاش ابن الجوزي منذ طفولته ورعا زاهدا، لا يحب مخالطة الناس خوفا من ضياع الوقت، ووقوع الهفوات، فصان بذلك نفسه وروحه ووقته، فقال فيه الإمام ابن كثير عند ترجمته له.

 

وكان وهو صبي دينا منجمعا على نفسه لا يخالط أحدا ولا يأكل ما فيه شبهة، ولا يخرج من بيته إلا للجمعة، وكان لا يلعب مع الصبيان، وقد قال ابن الجوزي واصفا نفسه في صغره، كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت لقمة شربت عليها شربة، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم، وكان له دور كبير ومشاركة فعالة في الخدمات الاجتماعية، وقد بنى مدرسة بدرب دينار وأسس فيها مكتبة كبيرة ووقف عليها كتبه وكان يدرس أيضا بعدة مدارس، ببغداد، وهكذا هو الشيخ الإمام العلامة، الحافظ المفسر، شيخ صناعة الوعظ، درة المجالس، وجامع الفنون، وصاحب التصانيف الكثيرة، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن الجوزي.

 

ينتهي نسبه إلى أمير المؤمنين، وخليفة رسول صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وإن طريق العلماء الربانيين مليء بالابتلاءات والمحن، وهم يعرفون ذلك جيدا، ولكن بعض البلايا والمحن تكون أشد وقعا وأثرا من غيرها، فمثلا إذا كانت المحنة من أقارب العالم وأهله فهي أشد وقعا من غيرها، وإذا كانت المحنة عند تقدم السن، واشتعال الرأس فهي أشد وقعا من غيرها، وإذا كانت المحنة ستشرد صاحبها وتنفيه وحيدا عن أهله وبلده فهي أشد وقعا من غيرها، وإذا كانت المحنة ستنقل صاحبها من المكانة والشهرة والإمامة إلى الهجر والنسيان والإهانة فهي أشد وقعا من غيرها، وأما إذا اجتمعت كل هذه الشروط والعناصر في المحنة والبلية، ثم يروضها صاحبها، ويستفيد منها، ويحولها إلى منحة عظيمة فهذا أمر جدير بالكتابة، والاستفادة منه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى