مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن كثير “جزء 11”

جريده الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن كثير “جزء 11”

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الحادي عشر مع الإمام إبن كثير، ولكنه باختصار شديد يركز علي مواطن العبرة والعظة، ومكان الإثارة والاستفادة مع النص القرآني المكرر فيقول تعالي في سورة الأعراف ” تلك القري نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله الله علي قلوب الكافرين ” ومن هنا اتجه ابن كثير وعلماء المسلمين وأئمتهم إلي جمع الاخبار، ومعرفة الأماكن والأحوال التي أشارت إليها الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، واشتاقت نفوسهم إلي التوسع فى فهم القصص المذكورة فى القرآن عامة، وقصص الأنبياء خاصة، وفى ذات الوقت عنوا عناية كبيرة بسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وما يتبعها من المغازي بشكل أخص، وهكذا نري العلاقة الوثيقة بين علم التاريخ، وعلم السيرة.

 

وعلم مصطلح الحديث ورجاله وتراجمه، وكثبرا ما جمع العالم الواحد بين هذه التخصصات الثلاثة، واهتم ابن كثير بالتاريخ فكتب البداية والنهاية، وقد تفوق علي سابقيه ومعاصريه، واشتهر فى كتابه التاريخ كاشتهاره فى التفسير، وأصبح فى عداد المؤرخين الدمشقيين فى القرن الثامن، بل كان ألمعهم شهرة، وأكثرهم توفيقا وسداد، مخلصا فى عمله، موضوعيا فى بحثه، وكتاب البداية والنهاية، هو كتاب فى التاريخ عامة، والتاريخ الإسلامي خاصة، فاشتمل علي تاريخ ما قبل الإسلام من بدء الخليقة وهو المقصود بالبداية ثم يذكر قصص الأنبياء، بدأ من قصة أبو البشر آدم عليه السلام، ثم أخبار الأمم السابقة، حتي وصل إلي السيرة النبوية تفصيل، مع التوسع فى سيرة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ومعجزاته.

 

وتابع المسيرة مع تاريخ المسلمين فى العهد الراشدي، فالأموي، فالعباسي، وما زامنه من العهد الفاطمي والأيوبي، ثم المملوكي، ورتب ابن كثير كتابه حسب السنين، فيقول ثم بدأت سنة كذ، ويذكر الأحداث المهمة فيها بما يتعلق بالدولة والأحداث التاريخية والخارجية، والحروب والأوبئة والمجاعات، ثم يتعرض لوفيات تلك السنة بالإيجاز والاختصار، وترجمة الخلفاء والأمراء والعلماء والأعلام، دون استيعاب، حتي وصل إلي نهاية حوادث سنة سبعمائة وسبع ستون للهجرة، ويأتي بعد ذلك بأخبار نهاية العالم والأمم، وهو المراد بالنهاية، وبذلك يكون المضمون متفقا مع العنوان “البداية والنهاية ” وإن شهرة ابن كثير فى التاريخ لاتقل أهمية عن شهرته فى التفسير، فالكتاب قيم ومفيد، ويأتي فى طليعة كتب التاريخ العام، والتاريخ الإسلامي.

 

وخاصة ان صاحبه مفسر أول، ومحدث ثاني، وخبير بالسيرة النبوية ثالث، ويتمتع بالصفات المؤهلة للتأليف والتصنيف مع الحياد والموضوعية، والاعتماد على القرآن الكريم والسنة، وتحليل الأحداث من منظور إسلامي، مما جعل هذا الكتاب محل الاهتمام والاعتبار فى العالم قديما وحديث، وعكف عليه العلماء والباحثون والدارسون والعلماء، ولذلك قال عنه الشوكاني، وله التاريخ المشهور مع الأسلوب الواضح، والتوثيق، وحسن الاختيار، فقال عنه ابن تغرى بردى وهو في غاية الجودة، وعليه يعول البدر العينى في تاريخه، وتوفي الشيخ إسماعيل بن كثير يوم الخميس السادس والعشرون من شهر شعبان عام سبعمائة وأربعة وسبعون من الهجرة، في دمشق عن عمر ثلاثة وسبعين سنة، وكان قد فقد بصره في آخر حياته، وهو يؤلف كتابه جامع المسانيد.

 

فأكمله إلا بعض مسند أبي هريرة، وفيه قال” لازلت فيه في الليل والسراج ينونص حتى ذهب بصري معه” وقد ذكر ابن ناصر الدين أنه “كانت له جنازة حافلة مشهودة، ودفن بوصية منه في تربة شيخ الإسلام ابن تيمية بمقبرة الصوفية” ولما مات رثاه بعض طلبته بقوله لفقدك طلاب العلوم تأسفوا، وجادوا بدمع لا يبيد غزير، ولو مزجوا ماء المدامع بالدما، لكان قليلا فيك يابن كثير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى