مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن كثير “جزء 9”

الدكروري يكتب عن الإمام إبن كثير “جزء 9”

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء التاسع مع الإمام إبن كثير، وأيضا من صفات ابن كثير أنه كان حريصا على التزام السنة، والدعوة إلى اتباع السلف، وهو ما يظهر عند مراجعة مؤلفاته وكتبه، ولا غرابة فى ذلك فهو المحدث الفقيه الحافظ لأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان ابن كثير رحمه الله يحارب البدع، ويدعو إلى تركه، ويساهم فى إنكاره، ويفرح لإبطاله، ويسجل هذه المشاعر والعواطف والمباديء فى كتبه ومصنفاته، وكان يتتبع البدع ويتألم لوجوده، ويسعي لإبطاله، ويهلل لإلغائه، فكانت أخلاق ابن كثير رحمه الله حميدة، ويلتزم الفضائل والقيم، وسعة الصدر، والحلم، والصداقة المخلصة، والتقدير لشيوخه، فقد ترجم لعدد كبير منهم فى تاريخه، وأثني عليهم خير، وعدد مناقبهم، وأثبت فضائلهم، واعترف بالأخذ من الأساتذة، وحسن الصحبة للزملاء والمعاصرين.

 

وكان وقت ابن كثير رحمه الله مشغول، وأعماله كثيره، ولكنه كان عازفا عن المناصب الرسمية، أو الاشتغال فى الأعمال الحكومية، ومتفرغا للبحث العلمي، وكان ذلك ديدنه في شبابه ونشأته، وفي مراحل تكوينه، ولما استوي على سوقه، وبلغ من العلم شاوا كبير، وحصل المستوي اللائق فيه، بقي ملازما العلماء، ومستفيدا منهم، كشيخه المزي الذي بقي مصاحبا له ختي وفاته، ومثل شيخه ابن تيمية، والحافظ الذهبي، وابن القيم، وغيرهم، وعكف على العلم والتعلم والتعليم، وحصر نفسه فى المجال العلمي، ولذلك نري ابن كثير يتولي الأعمال الهامه لنشر العلم مثل الإقراء وهو حفظ ابن كثير القرآن الكريم فى صغره، وختمه وهو فى السنة الحادية عشرة من عمره، وأتقن القاءة، وصار من القراء، ويظهر أثر ذلك علميا فى كتابه التفسير، وفيما كتبه فى فضائل القرآن الكريم.

 

ولذلك عده الداوودي من القراء، وترجم لخه في طبقاتهم التي ألفه، ولكن ابن الجزري لم يترجم لابن كثير في طبقات القراء، ثم تولي ابن كثير عمليا مشيخة القراء بمدرسة أم الصالح، وكذلك التحديث وهذا جزء من عمل التدريس، ولكن يختص به بعض العلماء المعروفين بالحفظ والرواية، وممارسة التحديث، ويندر من يقوم بهذا العمل إلا الخواص المتخصصون به، وكان ابن كثير رحمه الله، حافظا لحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم، وكان محدث، لأنه سمع عددا كثيرا من المحدثين وأئمة الحفظ فى عصره فى الشام ومصر، وأخذ الحديث سماعى وإجازة، ثم مارسه، ووصف بانه ” الحافظ المحدث ” وكان من أعماله ايضا هو التدريس، حيث تولي ابن كثير التدريس، وهو العمل الأساسي له الذي أعطاه اهتمامه، واتصل به مع الناس، ونفع الله تعالي به التلاميذ والطلاب.

 

وحقق الخير علي يديه، وقد قال ابن تغري بردي عنه ” وجمع وصنف ودرس ” وقد ولي ابن كثير رحمه الله التدريس فى المدرسة النجيبية المخصصة للشافعية بدمشق، وبدأ التدريس يوم الخميس الحادي عشر من شهر جمادي الاولي سنة سبعمائة وست وثلاثون من الهجرة، والغالب أنه بقي يسكنها ويدرس فيها إلي لآخر عمره، مع أعماله الأخري، وكما عممل بالفتوي وهي الإخبار بالحكم الشرعي، والفتوي أهم واجبات الفقيه، وهي منزلق خطير للخطأ والضلال من جهة ولذلك ورد فلى الحديث الشريف ” أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم علي النار ” أي أن أكثركم جرأة وتسرعا فى الفتيا فهو الأسرع إلي النار، لأنه لا يقدر عاقبة عدم إصابته للحق، بسرعته وعدم ترويه، أو عندما تكون الفتوي لغير وجه الله تعالي، او لبيان الباطل وتحريف الدين، أو مسايرة الناس والعوام.

 

والحكام والرؤساء، او بسبب الجهل بأحكام الدين، وكان ابن كثير رحمه الله قد حصل الفقه الإسلامي من المذهب الشافعي على شيخه برهان الدين الفزاري وغيره، وأتقن معرفة الأحكام، وصنف فيه، وكان يمارس الفتوي بالحق والعدل، والصدق والأمانة، والإخلاص، حتي تركت فتاويه اصداء كثيرة، وأطلق عليه شيخه الذهبي بأنه الفقيه المفتي، وقال عنه ابن حبيب وأطرب الأسماع بالفتوي، وهذا يدل على تمكن ابن كثير رحمه الله بالفقه ومعرفة الأحكام الشرعية، وإخلاصه فى علمه وعمله، وثقة الناس به، وأخذ الطلاب عنه الفقه والإذن بالفتوي، وتوجيه القضاة والحكام الفتوي له فى القضايا المهمة والخطيرة، وكما كان من أعمال شيخ الإسلام بن كثير هو التأليف والتصنيف ويدل ذلك علي أن ابن كثير رحمه الله لم تشغله الأعمال السابقة عن هوايته الأولي فى التأليف والتصنيف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى