مقال

الدكروري يكتب عن حقوق الوالدين ” جزء 2″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن حقوق الوالدين ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع حقوق الوالدين، حيث أوجب الله عز وجل على المسلم طاعة والديه في غير معصيته سبحانه وتعالى، وهذه الطاعة واجبة حتى وإن كانا كافرين أو فاسقين لعموم الأدلة التي تأمر بطاعتهما، وقد قال النبي صلى الله عيله وسلم ” لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف” وسئل الحسن البصري عن تعريفه لبر الوالدين، فقال أن يبذل الابن لهما كل ما يملك، ويطيعهما بجميع ما يأمرانه بهما، إلا أن يكون في معصية الله سبحانه وتعالى، وقد أمر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، بطاعتهما في كثير من نصوص الكتاب والسُنة، وأيضا فإن من الحقوق هو خفض الجناح لهما ويكون خفض الجناح لهما من خلال التواضع لهما، والتذلل بين يديهما، والرحمة بهما، وذكر الله تعالى ذلك بقوله ” واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا”

 

والعرب تطلق خفض الجناح على التواضع، واللين في التعامل، والرحمة، وإن الطائر إذا أراد الطيران نشر جناحيه ورفعهما، وفي حال تركه للطيران فإنه يخفض جناحيه، وفي هذه الآية إشارة إلى تواضع الابن لهما، واللين معهما، كما أنها تشمل كفالة الوالدين في حال الكبر، وضمهما إلى نفسه تقديرا لهما على ضمهما له في حال الصغر، كما يفعل الطائر مع فراخه عندما يضمهم إليه، وكما يجب الإصغاء إليهما، ويكون الإصغاء للوالدين من خلال الاستماع لهما إذا تحدثا، وتوجه الابن لهما بكليته ووجه عندما يتحدثان معه، وعدم مقاطتعهما أو منازعتهما أثناء الكلام، وعدم رد كلامهما أو تكذيبه، وكما قلنا بالإنفاق عليهما، وإن الإنفاق علي الوالدين من جوانب الإحسان إليهما، سواء كان هذا الإحسان بالقول أو بالفعل، حتى وإن كانا غير مسلمين، ويكون هذا الإحسان.

 

والإنفاق من غير تضجر أو مِنة من الابن عليهما، ويتأكد هذا الإنفاق في حال كانا فقيرين، ومن الإحسان إليهما إنفاق المال عليهما عند الحاجة إليه، وإكرامهما عند الكبر ويتأكد بر الوالدين عند كبرهما في السن وذلك لما في هذه المرحلة من الضعف والشيخوخة، فجاء الأمر من الله تعالى بعدم التأفف من ذلك أو التضجر من فعلهما، أو حتى لومهما ومعاتبتهما على أمر قد يقع منهما حتى وإن كان بكلام بسيط ككلمة أف، بل ينبغي مراعاة القول الحسن الكريم لهما، فالوالدين عند كبرهما يكونان بأشد الحاجة إلى الإكرام والرعاية في القول والعمل، ويلجآن إلى أبنائهما لتحصيل ذلك، ويستوجب على الأبناء إكرامهما، ورعايتهما، وخدمتهما، وكما يجب برهما بعد وفاتهما حيث أمر الله تعالى المسلم ببر والديه في جميع الأوقات حتى وإن كانا متوفيين.

 

لقول النبي صلي الله عليه وسلم “إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية أو علم ينتقع به أو ولد صالح يدعو له” وكما أن هناك العديد من الأمور التي يستطيع الإنسان بر والديه بها بعد موتهما، ومنها الوفاء بنذرهما كنذر الصيام، أو الحج، أو العُمرة، أو غير ذلك من العبادات التي يجوز فيها الإنابة، وقضاء ما عليهما من ديون والقيام بحقوقهما وواجباتهما سواء أكانت لله تعالى أو لغيره من البشر، وذلك لحديث النبي صلي الله عليه وسلم، أن سعد بن عبادة رضي الله استفتي رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقال إن أمي ماتت وعليها نذر، فقال ” أقضه عنها” وكذلك قضاء الصيام عنهما، والصدقة عنهما، وتنفيذ وصيتهما، والدعاء لهما بعد موتهما، وإكرام صديقهما لقول النبي صلي الله عليه وسلم، في الحديث للرجل الذي سأله عن بر والديه بعد موتهما.

 

يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال نعم ” الصلاة عليهما، والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما” ولقول النبي صلي الله عليه وسلم ” أبر البر أن يصل الرجل ود أبيه” وكما يجب أيضا التصدق عنهما، ولكن يجب أن تعلم من هما الوالدان اللذان جاءت نصوص الشرع بالبر والطاعة لهما؟ وأي حق أو تقدير للوالدين اللذين أمر الله بالإحسان إليها؟ إنهما أمك وأبوك، أمك التي حملتك في أحشائها وهنا على وهن، حملتك كرها ووضعتك كرها، ولا يزيدها نموك إلا ضعفا وثقلا، غذتك بصحتها، تجوع هي لتشبع أنت، وتسهر لتنام أنت، كم أماطت عنك الأذى ولم تضق بك ذرعا، هي أم الصبر، وحبل الشوق، وعنوان التضحية، ورمز الحنين، ومرفأ السلوى والشكوى، وأبوك يكد لك ويسعى.

 

ويتحمل الأخطار بحثا عن لقمة العيش لك، ويدفع عنك صنوف الأذى، ويتعهدك بالحنان، والتربية، وأنت محل تفكيره، وبك غالب همومه، هو الخادم المجهول، والمكافح المغمور، فهذان الأبوان هم اللذان قال الله تعالي فيهما كما جاء في سورة النساء ” واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا” وأمرنا الله عز وجل بالشكر لهما، فقال تعالي كما جاء في سورة لقمان ” أن اشكر لي ولوالديك” بل أمر بمصاحبتهما في الدنيا معروفا وإن كانا كافرين، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله وسلم قال “رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف” قيل من يا رسول الله؟ قال “من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما فلم يدخل الجنة” رواه مسلم، وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم “أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال الصلاة على وقتها قلت ثم أي قال “بر الوالدين” قلت ثم أي؟ قال “الجهاد في سبيل الله” رواه البخاري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى