مقال

الدكروري يكتب عن منزلة الأم في الشريعة الإسلامية

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن منزلة الأم في الشريعة الإسلامية
بقلم / محمــد الدكــرورى

إن أعظم الصلة بين الناس هى صلة الوالدين، وإن أتم الإحسان بين الناس هو الإحسان إلى الأم، والإحسان إلى الأم سبب لقبول الأعمال، والإحسان إلى الأم سبب للبركة في الرزق وفي العمر، في وقت قلت فيه البركات، وتفتح أبواب السماوات، وتجاب الدعوات، لمن كان بارا بوالدته، محسنا إليها، فلما انطبقت الصخرة على الثلاثة نفر، فدعا كل منهم، وتوسل إلى الله بأرجى عمل عمله، ومنهم رجل كان بارا بوالديه، ففرج الله عنهم الصخرة ونجوا من الهلاك، والأم هى لطيفة المعشر، وتتحمل الجفوة وخشونة القول، وتعفو وتصفح قبل أن يُطلب منها العفو أو الصفح، فقد حملت جنينها في بطنها تسعة أشهر، وكان يزيدها بنموه ضعفا، ويحمّلها فوق ما تطيق عناء، وهي ضعيفة الجسم واهنة القوى، تقاسي مرارة القيء والوحام، يتقاذفها تمازج من السرور والفرح.

لا يحسّ به إلا الأمهات وتحمل جنينها وهنا على وهن، وتفرح بحركته، وتقلق بسكونه، ثم تأتي ساعة خروجه فتعاني ما تعاني من مخاضها، حتى تكاد تيأس من حياتها، ثم لا يكاد الجنين يخرج في بعض الأحايين غلا قسرا وإرغاما، فيمزق اللحم، أو تبقر البطن، فإذا ما أبصرته إلى جانبها نسيت آلامها، وكأن شيئا لم يكن إذا انقضى، ثم تعلق آمالها عليه، فترى فيه بهجة الحياة وسرورها، وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ يعني صحبتي، قال أمك قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أبوك ” وهذا الحديث متفق عليه، وفي رواية أخرى قيل يا رسول الله، من أحق بحسن الصحبة؟ قال أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أباك، ثم أدناك أدناك ”

وهذا الحديث يبيّن فضل الأم ومنزلتها، وأن الأم لها من الحق في هذا الجانب وهو حسن الصحبة ثلاثة أضعاف ما للأب، والمقصود بحسن الصحبة هو حسن المعاشرة، والملاطفة، والإحسان والبر، وذلك أن الأم تحملت الحمل وآلام الولادة، وكذلك أيضا الرضاع والحضانة، فكل هذا شقيت به وتعبت، والأب كذلك هو سبب في وجود الإنسان، وهو الذي يبذل ويتعب، ولكن الأم تحملت زيادة على ذلك هذه الأمور الثلاثة التي ليس للأب شيء منها، فهذا الإنسان حينما يكون في بطنها يعيش على دمها، وحينما يخرج تعاين الموت، وحينما يولد فإنها تقدمه على نفسها، وراحته على راحتها، وتفرح لفرحه، وتتألم لألمه وحزنه، وإذا مرض مرضت معه، وإذا صار في المدرسة فكأنها هي التي تدرس، وإذا اختبر كأنها هي التي تختبر، وهكذا حتى يتم.

ثم بعد ذلك تشقى بعياله من بعده، وتجد لهم ما تجد له، كل هذا يقع للأم، فالمقصود أنها أولى الناس ولا ريب في استحقاق الأم لمثل هذه المرتبة العظيمة والعناية الكبيرة، فهي المربية المشفقة الحانية على أولادها، وكم كابدت من الآلام وتحمّلت من الصعاب في سبيلهم، حملت كرها ووضعت كرها، وقاست عند الولادة ما لا يطيقه الرجال الشداد، ثم تنسى ذلك كلّه برؤية وليدها، لتشغل ليلها ونهارها ترعاه وتطعمه، فتتعب لراحته، وتبكي لألمه، وتميط الأذى عنه وهي راضية، وتصبر على تربيته سنينا طوالا في رحمة وشفقة لا نظير لهما، فلذلك كانت الوصية بصحبتها مكافأة لها على ما بذلته وقدمته، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ وبر الوالدين من أجلّ الطاعات، وأنفس الأعمال الصالحات، وبه تجاب الدعوة، وتتنزل الرحمة، وتدفع البليّة، ويزيد العمر، وتحلّ البركة.

وينشرح الصدر، وتطيب الحياة، ويُرافق صاحبه التوفيق أينما حلّ، وتكون الصحبة بالطاعة والتوقير، والإكبار والإجلال، وحسن الحديث بجميل الكلام ولطيف العبارة، وخفض الجناح ذلا ورحمة، فقال الله تعالى “واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا” فإذا تقدما في السن فوهن العظم وخارت القوى كان البر أوجب، والإحسان آكد، قولا وعملا، وقال الله تعالى “إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهمآ أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما” فجاء الأمر بالقول الكريم، والنهي عن التأفف والتضجر، والدعوة إلى المعاملة الرحيمة كمعاملة الخادم لسيّده، ومن تمام الصحبة وعظيم البر الدعاء لهما بعد موتهما، حتى لا ينقطع عنهما مجرى الحسنات، فقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

” إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جاريه أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له” رواه مسلم، فالإحسان الي الوالدين عبادة عظيمة وقد قرنها الله تعالى مع عبادته وهذا يدل على فضلهما العظيم فقد جعل الله للوالدين المكانة العالية ورفع من شأنهما، فمن الواجب علينا هو برهما والإحسان إليهما وأن نترحم عليهما كما ربونا صغارا، فالأم هي التي تعطي ولا تنتظر أن تأخذ مقابل العطاء، وهي التي مهما حاولت أن تفعل وتقدم لها فلن تستطيع أن ترد جميلها عليك ولو بقدر ذرة صغيرة، فهي سبب وجودك على هذه الحياة، وهي سبب نجاحك، تعطيك من دمها وصحتها لتكبر وتنشأ صحيحا سليما وكذلك هي عونك في الدنيا، وهي التي تدخلك الجنة بإذن الله تعالى، وإن كانت غاليتك ” أمك ” ممن قضت نحبها، ومضت إلى ربها.

فأكثر من الدعاء والاستغفار لها وجدد برّك بها بكثرة الصدقة عنها، وصلة أقاربك من جهتها وصلاحك في نفسك من أعظم البر الذي تقدمه لوالديك بعد رحيلهما، فلقد جاء رجل إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال نعم الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بها، وإكرام صديقهما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى