مقال

الدكروري يكتب عن كيف يكون الإيمان بالله عز وجل

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن كيف يكون الإيمان بالله عز وجل
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

إن الإيمان بالله سبحانه وتعالى هو الاعتقاد الجازم بأن الله عز وجل هو رب كل شيء ومليكه وخالقه، وأنه الذي يستحق وحده أن ينفرد بالعبادة، وأنه المتصف بصفات الكمال المنزّه عن كل نقص وإن أول ما أراد الله تعالى أن يعلمه لنبيه صلى الله عليه وسلم من العلوم هو العقيدة، فهي أساس كل علم، والأساس هو الأصل الذي يبنى عليه غيره، فهي أصل للعبادة، وأصل للتعامل، أصل للمآل والعاقبة، وإن الإيمان باليوم الأخر هو من أمهات العقيدة وهي مفرق الطرق بين المؤمنين والكافرين، إنها قضية من أعظم القضايا التي جاءت بها الرسل ونزلت بشأنها الكتب، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعهد أصحابه بذكر الجنة والنار، فخطبهم يوما فقال لهم صلى الله عليه وسلم “عرضت عليّ الجنة والنار فلم أري خيرا أكثر مما رأيته اليوم في الجنة، ولم أر شرّا أكثر مما رأيته في النار، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا”

وقد سمى الله تعالى اليوم الآخر بأسماء كثيرة، وحذر عباده من الغفلة والنسيان وأمرهم بالاستعداد له، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ ” أين الجبارون المتكبرون؟ فلا يجيبه أحد، فيجيب تعالى نفسه بنفسه ” لله الواحد القهار” رواه البخاري ومسلم، وإن نعمة الإيمان أعظم نعمة على العبد، فإنه متى حظي بها فقد نال نعم لا تدانيها نعمة، ولا توازيها منة، فبها تتحقق سعادة الدنيا والآخرة ، فالإيمان أكبر من نعمة الوجود الذي يمنحه الله عز وجل ابتداء لهذا العبد وسائر ما يتعلق بالوجود، من آلاء الرزق، والصحة، والحياة، والمتاع، إنها المنة التي تجعل للوجود الإنساني حقيقة مميّزة، وتجعل له في الحياة أثرا فاعلا.

وحتى ندرك قيمة هذه النعمة، فلنتدبر قول الله عز وجل كما جاء في سورة الأنعام ” أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون” فهل يستوي من كان ميتا في الضلالة هالكا حائرا، فأحيى الله قلبه بالإيمان، وهداه الله له، ووفقه لاتباع رُسله، هل يستوي هذا مع من يعيش في الجهالات والضلالات المتفرقة، لا يهتدي إلى منقذ ولا إلى مخلص له مما هو فيه؟ ومن فقد الإيمان ولم يعرف ربه الذي خلقَه، ولا نبيه الذي أرسله بالحق، تخبط وهلك فالجهل بالله سُم مُهلك وإن الإيمان ربح ومغنم ومنة، لا يقدر قدره إلا من عرف قيمته، وله آثار عظيمة تعود على حياة العبد المسلم، فمن آثاره التي حق لنا أن نقف عندها، وأن الإيمان يغيّر كيان العبد، فيكون باعثا له على بذل المعروف.

ودافعا إلى استباق الخيرات، فإن الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أن إيمان العبد لا يكمل حتى يحب لإخوانه المسلمين ما يحب لنفسه، فقال صلى الله عليه وسلم ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ” رواه البخاري ومسلم، وعليه، فالمؤمن مستشعر أن له إخوة في الدين يحبهم ويجلهم، ويحب أن ينالهم من الخير مثل ما ناله، ويتحقق لهم من الفضل مثل ما تحقق له، والمؤمن يبعثه إيمانه ليكون فاعلا منتجا، فكم يشعر بالسعادة عندما يبذل لله ويأنس بمساعدة غيره وخدمته، وتطيب نفسه عندما تفرّج كربة أخيه على يديه؟ وهو حريص أن يكون له سهم في شتى المجالات الخيرة، وأن يحظى بنصيب وافر من الأجر، وحظ عظيم من الدرجات، وإن الإيمان يحول العبادة إلى أداة فاعلة مُثمرة منتجة، لذا فالمؤمن يحرص مدة بقائه في الدنيا أن يكسب من الحسنات.

ويجمع من خصال الخير، ويزداد قربة من ربه، ولأنه في سباق لا ينتهي حتى الموت، فهو يبادر بالأعمال الصالحة ويضن بالوقت أن يذهب عليه سدى، وبالعمر أن يفنى بلا فائدة، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال يا محمد، أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا” قال صدقت، قال فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال فأخبرني عن الإيمان؟

قال صلى الله عليه وسلم “أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه، ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره ” قال صدقت، قال فأخبرني عن الإحسان؟ قال صلى الله عليه وسلم “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك ” قال فأخبرني عن الساعة؟ قال صلى الله عليه وسلم “ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ” قال فأخبرني عن أمارتها؟ قال صلى الله عليه وسلم “أن تلد الأمة ربتها وأن تري الحفاة العراة العاله رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ” قال ثم انطلق فلبثت مليا، ثم قال لي “يا عمر، أتدري من السائل؟ قلت الله ورسوله أعلم، قال صلى الله عليه وسلم ” فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ” رواه مسلم، وإن من أعظم نعم الله علينا هو أن هدانا للإيمان، فله الحمد وله الشكر أن دلنا على هذا الطريق وقربنا اليه وأبعد غيرنا، ورزقنا الهداية بمبعث رسوله الكريم صلي الله عليه وسلم.

فلا إله إلا الله عدد من أمن به، ولا إله إلا الله عدد صلى وسجد له, فما أحوجنا إلى الإيمان، وما أفقرنا إلى الهداية، ولكن اين نجد الإيمان، فإن الايمان بالله تجده في قول الخليل ابراهيم عليه السلام، وقد أتاه جبريل وهو بين السماء والأرض، يقول له يا إبراهيم ألك حاجة؟ قال أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم، وإن الايمان بالله تجده في قول نبي الله موسي عليه السلام حينما قال المؤمنون “إنا لمدركون” قال “كلا ان معي ربي سيهدين” وإن الايمان بالله تجده في قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه يوم ان مات النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ايها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وإن الإيمان بالله تجده في قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حينما قال له عمرو بن العاص لو تلبس ثوبا جديدا.

فرد عليه قائلا “لقد اعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة في غيرة أذلنا الله” وإن الإيمان بالله، تجده يوم ان جاءت الغامدية الي النبي صلى الله عيه وسلم، تقول له يارسول الله طهرني من الزنا، ويوم ان وقفت ماشطة بنت فرعون فقال لها مهددا متوعدا ألك رب غيري ؟ فترد بكل إيمان ربي وربك الله الذي في السماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى