مقال

الدكروري يكتب عن التذكير بالآحرة ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن التذكير بالآحرة ” جزء 1″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى

إن من التقوى أن يستعد العبد ليوم القيامة والبعث والنشور، فالتقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل، فلا يكن استعدادكم ليوم الرحيل بالغفلة والعصيان فإن أهل معصية الله إنما عصوه وخالفوه لقلة يقينهم بلقائه ووقوفهم بين يديه في انتظار ثوابه أو عقابه، فقادتهم الغفلة عن وقفة الحساب إلى الاستمرار في المخالفة والعصيان، واعلموا أن الدنيا ليست بدار بقاء ولا خلود، وإنما أنتم عما قليل منها تظعنون، وما هي إلا أيام وعنها ترحلون، ثم إذا أنتم بين يدي ربكم تحاسبون، فماذا أنتم يومئذ قائلون؟ إذا أبدت لكم الصحف العيوب، وشهد عليكم الأسماع والأبصار والجلود، فيا ويح ابن آدم، يستخفي من الناس بالمعصية، ويغفل عن جلده وسمعه وبصره لا يستتر منها، ينسى أنها ستشهد عليه، أهلكتهم غفلتهم عن جلودهم وسمعهم وأبصارهم التي لا تفارقهم.

والتي لا يفوتها شيء من معاصيهم، والتي تشهد عليهم وتفضحهم، والله إنها لفضيحة كفيلة أن تنغص على الإنسان دنياه كلها، حين يتخيل سمعه وبصره وجلده يشهدون عليه بين الخلائق، ويفضحونه بأعماله وأقواله القبيحة، وينكشف كذب الإنسان وينكشف ظلمه، وينكشف فجوره وتنكشف نواياه، ويصبح عاريا من كل شيء، العري المعنوي بعد العري الحسي، ويخذله الشيطان الذي أوصله لذلك الموقف المخزي، يخذله شيطانه الذي كان يقارنه في الدنيا ويشجعه على معصية الله، ويحثه على المخالفة، ويزين له أعماله السيئة وأقواله اللئيمة فيا ويل الغافلين، ويا ويح المفرطين، فالعجب كل العجب ممن يخشى من رقابة البشر الذين ينعسون وينامون، ويتغوطون ويبولون، وينسون ويغفلون، ولا يخشى من رقابة الحي القيوم، الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، فلا تغرنكم الحياة الدنيا فكل حي سيفنى وكل جديد سيبلى.

وما هي إلا لحظة واحدة تخرج فيها الروح إلى بارئها، فإذا العبد في عداد الأموات والناس في هذه الحياة في غفلة، وأملهم فيها عريض ولا بد من إلجام النفس بتذكيرها بمصيرها لتعمر الآخرة بالدنيا، ويُغتنم الحاضر للمستقبل وقد جعل الله عز وجل اليقين باليوم الآخر من أركان الإيمان، وسيأتي اليوم الذي يفنى فيه الخلق مصداقا لقوله تعالي ” كل من عليها فان” ثم يأتي يوم يعيد الله سبحانه وتعالى فيه العباد، ويبعثهم من قبورهم، وأول من يُبعث وتنشق عنه الأرض هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويحشر العباد حفاة عراة غرلا غير مختونين، وإذا مات العبد نزل أول منازل الآخرة والقبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار وينزل فيها العبد وحيدا فريدا لا أنيس له ولا رفيق إلا عمله الصالح، ولا تزال الأرض تستودع ما يُدفن فيها من الأموات حتى يشاء الله أن تقوم الساعة.

فيأمر إسرافيل عليه السلام بالنفخ في الصور، فإذا نفخ إسرافيل في الصور النفخة الأولى نفخة الصعق ، صعق الناس وماتوا وانتهت الدنيا بأكملها، وإن أرض المحشر أرض بيضاء عفراء ليس فيها معلم لأحد، لم يُسفك عليها دم حرام، ولم يُعمل عليها خطيئة، ينفذهم البصر، ويسمعهم الداعي، يوم عبوس قمطرير، لا يلاقي العباد يوما مثله، وصفه الله عز وجل بالثقل والعسر، يشيب منه شعر الوليد، فذلك يومئذ يوم عسير، تذهل المرضعة عن رضيعها، والحامل تسقط حملها، يوم تدهش فيه العقول، وتغيب فيه الأذهان، يفر الإنسان من أحب الناس إليه، من أمه وأبيه، وأخيه وزوجته وأولاده، ويود العاصي أن يدفع بأغلى الناس إليه في النار لينجو، ويجتمع الناس في ذلك الموقف العظيم على صعيد واحد فيغشاهم من الكرب ما يغشاهم، ويصيبهم الرعب والفزع، يشيب الولدان.

وتشخص الأبصار، وتبلغ القلوب الحناجر والشمس كورت لفت وذهب ضوءها والنجوم انكدرت وتناثرت والجبال نسفت وسيّرت فأصبحت كالقطن المنفوش والعشار عطلت والأموال تركت والتجارات والعقارات والأسهم نسيت والسماء كشطت ومسحت وأزيلت والبحار سجرت وإلى كتل من الجحيم تحولت والجحيم سعرت وأوقدت والجنة أزلفت وقربت، إنه يوم القيامة يوم الصاخة والقارعة والطامة، ويوم الزلزلة والآزفة والحاقة يوم يقوم الناس لرب العالمين يوم عظيم وخطب جسيم، يوم مقداره خمسون ألف سنة، يجمع الله فيه الخلائق أجمعين، من لدن آدم عليه السلام إلى قيام الساعة، ليفصل بينهم ويحاسبهم، وتدنو الشمس من الخلائق مقدار ميل ويفيض العرق منهم بحسب أعمالهم، فمنهم من يبلغ عرقه إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ إلى حقويه، ومنهم يبلغ إلى منكبيه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى