مقال

الدكروري يكتب عن الدولة العباسية وثورة الزنج ” جزء 6″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الدولة العباسية وثورة الزنج ” جزء 6″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء السادس مع الدولة العباسية وثورة الزنج، وتحولت المدينة التي بناها تجاه عاصمة الثوار والتي سماها الموفقيه إلى العاصمة الحقيقية للدولة ويأتي إلى بيت مالها كل خراج البلاد لدعم المجهود الحربي في اخماد ثورة الزنج، وتصدر منها الاوامر إلى كل الولاة والعمال في سائر ارجاء الخلافة في أن يقدّموا كل ما يستطيعونه لإسناد جيش العباسيين في قتاله، الأمر الذي اوغر صدر الخليفة المعتمد حتى لقد حاول الفرار من سامراء إلى مصر ليدخل في حماية الطولونيين، فألقي القبض عليه بنواحي الموصل واعادوه إلى سامراء شبه سجين، وفي سنة مائتين وثمان وستين للهجرة باشرت الجيوش العباسية بقيادة الموفق بهجوم واسع على المختارة عاصمة الزنج وهي مدينة محصنة غاية التحصين وفرق قواده على جهاتها وجعل مع كل طائفة نقابين لهدم السور وتقدم إلى الرماة أن يحموا بالسهام من يهدم السور وينقبه.

فوصلوا إلى السور وثلموه في مواضع كثيرة، ودخل أصحاب الموفق من جميع تلك الثغرات وتوغلوا داخل المدينة فخرج الكمناء من خلف الجيوش العباسية وحدثت واحدة من اعنف المعارك قتل فيها معظم الجيش العباسي الذي دخل مدينة المختارة فيما لاذ بالفرار من استطاع الافلات من سيوف الزنج عبر نهر دجله، في الخامس والعشرين من سنة مائتين وتسع وستين للهجرة تقدمت الجيوش العباسية بقيادة الموفق نفسه لهدم سور المختارة مرة أخرى وقاتل الفريقان أشد قتال رأه الناس فبينما هم كذلك وصل سهم إلى الموفق فأصابه في صدره فاضطرب عسكر العباسين وخافوا، وتسرب كثير من جيوشهم تاركين ساحة المعركة، فأشار عليه أصحابه بأن يعود إلى بغداد ويخلف من يقوم مقامه فأبى ذلك، ولكنه احتجب عن الناس، وفي يوم الأحد العشرين من شعبان سنة مائتين وتسع وستين للهجرة بكر الموفق بعد أن برأ من علته إلى القتال.

وأمر أبو حمزه نصير صاحب الزوارق لقصد قنطرة كان الزنج قد عملوها في نهر أبي الخصيب فدخلت زوارق العباسيين نهر أبي الخصيب في أول المد فحملها الماء وألصقها بالقنطرة فأجتمع الزنج على جانبي النهر ورموا الزوراق بكل معداتهم رميا كثيفا فأهلكوا من فيها ومن بينهم بالطبع صاحب زوارق الموفق أبو حمزة نصير، وكانت مصر قد استقلت عن الخلافة العباسية تحت حكم أحمد ابن طولون وكان لها جيش قوي في الشام يقوده المملوك لؤلؤ غلام ابن طولون كاتب لؤلؤ الموفق العباسي واشترط عليه شروطا لنفسه فأجابه الموفق إلى كل ماطلب فخان سيده بعد أن اغراه الموفق العباسي، وانضم إلى جيش الدولة العباسية المحتشد لقتال الثوار فوصل في الثالث من محرم من سنة مائتين وتسع وستين للهجرة، وانضم الجيش الطولوني العظيم إلى جيش العباسيين بقيادة أخي الخليفة الموفق العباسي فأكرمه وانزله وخلع عليه وعلى أصحابه.

واحسن إليهم وامر لهم بالارزاق على قدر مراتبهم ثم تقدم إلى لؤلؤ بالتأهب إلى قتال الزنج وكان الموفق قد عطل القتال لحين قدوم لؤلؤ وليستريح الجيش الذي تملكه التعب والكلل فشرع في محاربتهم بفريق بعد فريق من أصحاب لؤلؤ ليتمرنوا على قتالهم وليقفوا على المسالك والطرق في ساحات القتال التي لم يعهدوها من قبل، فرأى الموفق من شجاعة لؤلؤ واقدامه وشجاعة أصحابه ماسره للغاية، وكان الزنج لما غلبوا على نهر أبي الخصيب وقطعت القناطر والجسور التي عليه أحدثوا تضييقا في النهر وجانبيه وجعلوا في وسط النهر بابا ضيقا لتحتد جرية الماء فيه فتمتنع الزوارق من دخوله في الجزر، ويتعذر خروجها منه في المد، فرأى الموفق أن تقدمهم لا يتم إلا بقلع هذا التضييق فشرع في محاربتهم، وألح الموفق على اقتلاع المضيق وكان يحارب المحامين عليه بأصحابه وبأصحاب لؤلؤ وغيرهم والفعلة يعملون في قلعة.

فأوقع بالزنج وقيعة مؤلمه فقتل المحامين على المضيق عن آخرهم ولم يسلم منهم إلا الشريد فأخذوا من أسلحتهم ما لم يستطيعوا حمله، وتقدمت سفن وزوارق الجيش العباسي، وفرق العساكر من جميع جهاته وامر الجند بالجد في القتال وأمر الناس أن لا يزحف أحد حتى يرى حركة العلم الأسود الذي نصبه على دار اقامته، وحتى ينفخ في بوق بعيد الصوت، وفي يوم الاثنين السابع والعشرين من شهر محرم سنة مائتين وسبعين للهجرة، زحفت الجيوش العباسية والطولونيه جميعا ومن كل الجهات نحو المختارة عاصمة الزنج، والتقى الفريقان في معركة حاميه سقط فيها آلاف القتلى من الجانبين، استبسل الزنج فيها غاية الاستبسال وأخيرا تمكنوا من صد الجيش العباسي وارجاعه إلى مواقعه، وأمر الموفق العباسي بتحريك العلم الأسود مرة أخرى والنفخ في البوق فزحف الناس في البر والماء يتلو بعضهم بعضا فلقيهم الزنج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى