مقال

الدكروري يكتب عن الدولة العباسية وثورة الزنج ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الدولة العباسية وثورة الزنج ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الثالث مع الدولة العباسية وثورة الزنج، وجهر علي بن محمد في إحدى مراحل حياته بمذهب الخوارج الذين يلائم مبدأهم ميل أصحابه الشورية، فحارب من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة، وكتب شعاراته على الرايات باللونين الأخضر والأحمر وهما لون العلويين ولون الخوارج، ولقد تعارضت أفكار علي بن محمد عن الخلافة مع مفهوم الشيعة لها التي تؤكد على الوراثة، وتبنى رأي الخوارج القائم على الشورى، مما نفر منه الأعراب البسطاء، وعرب البصرة والأهواز وواسط والمناطق المحيطة بها، كما رفض قرمط أن يرتبط معه بعوامل دينية، وأما شدته وقسوته تجاه أعدائه فقد جعلته خارجيا متطرفا، يضاف إلى ذلك أنه عامل أسرى الحرب معاملة الرقيق، ووعد أتباعه بأنه سيملكهم المنازل والعبيد، وهذا يعني تحويل حياة الزنج من أرقاء إلى ملاك للعبيد، والواضح أن هذا التناقض في عقيدة الحركة يفرغها من أي صبغة عقائدية.

ويجعلها حركة مسلحة ضد النظام ليس إلا، كما يجعل من قائدها رجلا مغامرا طموحا إلى السلطة، ولقد انطلقت حركة الزنج من واقع الألم والاضطهاد الاجتماعي والاقتصادي بين مستنقعات البصرة وسهولها، وكانت بدايتها ناجحة انسجمت فيها أهدافها مع أفعالها لكن النزعة الفوضوية التي طبعتها وهي في قمة مواجهتها أدت إلى تقلص أبعادها الاجتماعية، وقد زاد من تلك النزعة افتقارها إلى برنامج ثوري يصوغ تطلعات وأهداف القائمين بها، ويوضح العلاقة بين القيادة والأتباع، كما يلاحظ أن رجالها استهدفوا الانتقام لا الإصلاح، والانقلاب الاجتماعي لا التقويم، وأن قائدها لم يستطع أن يحرر ذاته من مسألة فكرة الزعامة القرشية، بالإضافة إلى أن أطرها الثورية كانت محلية ومحدودة ولم تكن لديها تطلعات شاملة، وندرك من هنا عدم نجاح علي بن محمد في اكتساب قطاعات كبيرة من المجتمع العراقي كالفلاحين وكبار الملاك والتجار والحرفيين.

وحتى القرامطة فأصبح العبيد بمفردهم ضعفاء رغم عددهم الكبير، ومن جهة ثانية فإن سرعة الأحداث، وتصميم العباسيين على القضاء عليها، لم يعطيا قائدها مهلة لتنظيم صفوف قواته، وتمكنه من بناء مجتمع مستقر ذي أنظمة خاصة لذلك كان من الطبيعي أن تفقد هذه الحركة طابعها الإنساني والثوري مما دفعها إلى نهايتها المحتومة، لكن قاعدتها الثورية التي تشتت استطاعت أن تكون إحدى الدعائم الأساسية التي دفعت الحركة القرمطية إلى الظهور فيما بعد، ولقد تعددت دوافع الاستجابة لهذه الحركة ما بين سياسية، واقتصادية واجتماعية، وأما عن الدوافع السياسية، فكانت بسبب تردي أوضاع الخلافة، نتيجة تصاعد نفوذ الأتراك إلى جانب صراع خفي بين المترفين والعبيد وجد متنفسًا له في دعوة علي بن محمد، وأما عن الدوافع الاقتصادية، فكانت نتيجة الأوضاع المالية المتدهورة وظاهرة التكوين الطبقي داخل المجتمع الإسلامي.

من طبقة ثرية إلى طبقة تجار فالطبقة العامة العاملة، واتسعت الهوة مع مرور الزمن بين هؤلاء وبين الطبقة الإقطاعية، وبلغ التناقض الاجتماعي مداه، مما كان دافعا للاستجابة لنداء الثورة الذي أطلقه علي بن محمد، وأما عن الدوافع الاجتماعية، فكانت بفعل نمط حياة فئات العبيد التي كانت تعيش في ظروف قاسية وسيئة من خلال عملها في تجفيف المستنقعات وإزالة السباخ عن الأراضي، ثم نقل الملح إلى حيث يعرض ويباع، لقاء وجبة طعام، فأرادت هذه الفئات التخلص من هذا العمل الشاق ومن ضنك العيش، وقد سيطر علي بن محمد خلال عشرة أعوام على رقعة واسعة تمتد بين الأهواز وواسط، وهدد بغداد، عندئذ عهد الخليفة المعتمد إلى أخيه أبي أحمد الموفق طلحة بمحاربته، فاصطدم بمجموع الزنج وقتل علي بن محمد، واستسلم من بقى من أتباعه ومات العديد، وثورة الزنج منذ عهد المتوكل العباسي غلبت سيطرة العسكر الاتراك.

وقادتهم على ازمة الأمور في الدولة واستأثروا بالعطاءات والاقطاعات واستبدوا بسلطان الخلافة حتى صاروا يولون ويعزلون الخلفاء كما يحلو لهم بل يقتلون ويسمون ويسجنون كل من لا يحقق مطامعهم ومطامحهم من الخلفاء والوزراء، وقد حاول بعض الخلفاء ان يستردوا إلى منصب الخلافة سلطانه وهيبته وان يستندوا في معارضة القادة الاتراك ومواجهتهم إلى تأييد شعبي عن طريق مهادنة المعارضين واظهار شيء من العدل والانصاف بين رعيتهم، حاول ذلك الخليفة المنتصر بالله العباسي سنة مائتين وسبع وأربعين للهجرة والمهتدي بالله العباسي سنة مائتين وخمس وخمسين للهجرة ولكن الاتراك تخلصوا منهم بالعزل والسم والقتل، فما حكم كل واحد منهما إلا عاما واحدا فقط، وعندما سدّت سبل الإصلاح امام الراغبين فيه والمتطلعين إليه اقبل الناس على الثورة طريقا لم يجدوا امامهم سواه للتغير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى