مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن تغري ” جزء 1″ 

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن تغري ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الإمام إبن تغري هو أبو المحاسن جمال الدين يوسف بن الأمير سيف الدين تغري بردي الأتابكي اليشبقاوي الظاهري، ولد بالقاهرة سنة ثمانى مائة وثلاثة عشر من الهجرة، الموافق ألف وربعمائة وعشر للميلاد، وهو أحد أمراء دولة المماليك البرجية، ومن مشاهير المؤرخين المسلمين على الإطلاق، وصاحب الموسوعات التاريخية القيمة في تاريخ مصر والعالم الإسلامي، والتي جعلته بعد أستاذه تقي الدين المقريزي مؤرخ مصر الموسوعي ومؤرخ النيل، والتي أشهرها “النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة”، “المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي” وتوفى بالقاهرة سنة ثماني مائة وأربع وسبعون للهجرة، الموافق ألف وربعمائة وسبعون للميلاد، وكلمة تغري بردي محرفة من تنكري يردي، ويردي بالتركية تعني عطا الله، وهو مؤرخ مصري.

 

كان أبوه من كبار أمراء المماليك في عهد السلطان الظاهر سيف الدين برقوق وابنه الناصر فرج بن برقوق، وتتلمذ علميا ودينيا على أيدي كبار مشايخ عصره أمثال زوج أخته قاضي القضاة جلال الدين البلقيني، وابن حجر العسقلاني، وبدر الدين العيني، وابن ظهيرة وابن عربشاه، ثم لازم مجلس شيخ المؤرخين تقي الدين المقريزي فتعلم منه حب التاريخ والتأريخ، وبذلك انتمى ابن تغري إلى طبقة الأمراء وأرباب الدولة وتتلمذ على أيدي العلماء واهل العمائم، ولد ابن تغري بردي بمدينة القاهرة بدار الأمير منجك اليوسفى بجوار مدرسة السلطان حسن، ونشأ في بيت علم ودين ورياسة، فوالده الأمير الكبير سيف الدين تغرى بردى اليشبغاوى الظاهرى أتابك العساكر بالديار المصرية، ثم كافل المملكة الشامية، وكان أبوه مملوكا من بلاد الروم، اشتراه السلطان الظاهر برقوق.

 

وقربه إليه حتى صار رئيس عساكره واختاره مع من اختارهم لوصاية المملكة بعد وفاته، ومن أم كانت هي الأخرى أمة من إماء السلطان نفسه، وغدا والده في أثناء حكم السلطان الناصر فرج بن برقوق في سنة ثماني مائة وعشر هجريا رئيسا للجيش المصري وهو أمير كبير، وفي سنة ثماني مائة وثلاثة عشر للهجرة تم تعيينه نائبا للسلطنة في دمشق، ولم يطل بوالده الأمير المقام إذ توفي بدمشق سنة ثماني مائة وخمسة عشر للهجرة، وخلف ابنه يوسف وهو في الثانية أو الثالثة من عمره، واحتضنته أخته، وأخذت على عاتقها رعايته وتربيته، وكانت زوجة قاضي القضاة الحنفي الناصري محمد بن العديم الذي تولى تربيته، ولما توفي سنة ثماني مائة وتسعة عشر للهجرة، تزوجت من بعده قاضي القضاة الشافعي والعالم الشهير شيخ الإسلام جلال الدين البلقيني.

 

وبذلك نشأ في بيت علم ودين، وفي بيت شيخ الإسلام البلقيني استكمل ابن تغري بردي تعليمه، فقد وجهه زوج أخته منذ نعومة أظفاره إلى طلب العلم، فحفظ على يديه القرآن الكريم وتعلم علوم اللغة العربية والفقه والأصول والحديث، إلى أن كبر وانتشا وترعرع، فذهب إلى حلقات العلم ودروس التحصيل، فتعلم على مشاهير علماء القاهرة والحجاز وحلب، في العلوم المتداولة في زمنه كالفقه والحديث والنحو والصرف والعروض وعلم الهيئة أي الفلك والطب، ومنهم ابن حجر العسقلاني، وبدر الدين العيني، وابن عربشاه مؤرخ تيمور لنك، والمقريزي، وغيرهم، وكان ابن تغري يعيش في سعة كاملة مما جعله قادرا على الاستغناء عن العمل للكسب، فتعلم الفروسية وبرع فيها كما تعلم الفقه والموسيقى والشعر، وكان يتقن اللغتين العربية والتركية، ومع ذلك فقد استهوته دراسة التاريخ.

 

وساعده تفرغه، وصلاته بالبلاط السلطاني حيث توالى عليه في عصره عشرة سلاطين، وكبار الأمراء وأرباب السياسة على الاطلاع على المعلومات مما جعله يصبح من كبار المؤرخين، وكتب ابن تغري اثني عشر مؤلفا في التاريخ، كان أول كتبه هو المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي، وفيه سجل تراجم أعيان عصره، أما أهم مؤلفاته واشهرها واضخمها فهو كتابه النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة وهو سرد لتاريخ مصر منذ الفتح الإسلامي إلى عصره وقد انتهى فيه إلى ثماني مائة وسبعون للهجرة، وبالرغم من أن ابن تغري ذكر في مقدمة كتابه أنه كتبه دون طلب من ملك أو سلطان، إلا أنه ذكر في نهايته أنه ألفه من أجل صديقه الأمير محمد بن السلطان جمق، والذي كان ابن تغري يتوقع أن يصل إلى تخت السلطنة فيختم الكتاب بعهده، إلا أن الأمير محمد وافته المنية قبل ذلك حيث أنه توفي سنة ثماني مائة وسبع وأربعون للهجرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى