مقال

الدكروري يكتب عن الإمام أبو حامد الغزّالي ” جزء 6″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام أبو حامد الغزّالي ” جزء 6″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء السادس مع الإمام أبو حامد الغزّالي، فقد ذكر المتقدمون، من أمثال عبد الغافر الفارسي وأبو بكر بن العربي، وتاج الدين السبكي وطاش كبرى زادة المرتضى الزبيدي الكثير من تصانيف الغزالي، واعتمد الباحثون على هذه المصادر في تحديد مصنفات الغزالي، وفي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، بدأ المستشرقون في البحث في مؤلفات الغزالي، فنشر المستشرق جوشه بحثا سنة ألف وثماني مائة وثماني وخمسين ميلادي تناول فيه أربعين مؤلفا للغزالي، وحوال أن يحقق صحة نسبتها إليه، ثم تلاه ماكدونلد وجولد تسهير وماسينيون ومونتكمري وات وبويج وغيرهم بأبحاث أخرى تناولت نفس الموضوع، ثم جاء عبد الرحمن البدوي بعمل ضخم في كتاب أسماه مؤلفات الغزالي، وتم نشره سنة ألف وتسعمائة وستون ميلادي،وفيه تناول البدوي.

ربعمائة وسبع وخمسون مصنفا ينسبون جميعا إلى الإمام الغزالي، وبعد تلك المراحل بدأ اهتمام الغزالي يتجه نحو علوم التصوف، فابتدأ بمطالعة كتبهم مثل قوت القلوب لأبي طالب المكي، وكتب الحارث المحاسبي، والمتفرقات المأثورة عن الجنيد وأبي بكر الشبلي وأبي يزيد البسطامي، كما أنه كان يحضر مجالس الشيخ الفضل بن محمد الفارمذي الصوفي، والذي أخذ عنه الطريقة، فتأثر بهم تأثرا كبيرا، حتى أدى به الأمر لتركه للتدريس في المدرسة النظامية في بغداد، واعتزاله الناس وسفره لمدة إحدي عشر سنة، تنقل خلالها بين دمشق والقدس والخليل ومكة والمدينة المنورة، كتب خلالها كتابه المشهور في التصوف إحياء علوم الدين، وكانت نتيجة رحلته الطويلة تلك أن قال وانكشفت لي في أثناء هذه الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤها.

والقدر الذي أذكره لينتفع به أني علمت يقينا أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالي، خاصة وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق، وكان الإمام أبو حامد الغزالي عند جمهور المتقدمين حجّة الإسلام ومجدد القرن الخامس الهجري، ومحيي علوم الدين، وكان من أقوال الثناء عليه ومدحه، هو أن قال شيخه أبو المعالي الجويني بأن الغزالي بحر مغدق، وقال الذهبي عنه أنه الشيخ الإمام البحر، حجة الإسلام، أعجوبة الزمان، زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي، الغزالي، صاحب التصانيف والذكاء المفرط، وقال عنه ابن الجوزي صنف الكتب الحسان في الأصول والفروع، التي انفرد بحسن وضعها وترتيبها، وتحقيق الكلام فيها، وقال عنه تاج الدين السبكي هو حجة الإسلام ومحجة الدين التي يتوصل بها إلى دار السلام.

جامع أشتات العلوم، والمبرز في المنقول منها والمفهوم، جرت الأئمة قبله بشأو ولم تقع منه بالغاية، ولا وقف عند مطلب وراء مطلب لأصحاب النهاية والبداية، وكان من أشهر مؤلفات الإمام الغزالي في التصوف كتابه إحياء علوم الدين، والذي قد حاز شهرة وانتشارا ما لم يقاربه أي كتاب من كتبه الأخرى، حتى صارت نسخه المخطوطة مبثوثة في مكتبات العالم، وقد امتدح الكتاب غير واحد من علماء الإسلام، مثل ما قاله عبد الرحيم العراقي المحدث الذي خرّج أحاديث الإحياء، حيث قال عنه إنه من أجل كتب الإسلام في معرفة الحلال والحرام، جمع فيه بين ظواهر الأحكام، ونزع إلى سرائر دقت عن الأفهام، لم يقتصر فيه على مجرد الفروع والمسائل، ولم يتبحر في اللجة بحيث يتعذر الرجوع إلى الساحل، بل مزج فيه علمي الظاهر والباطن، ومرج معانيها في أحسن المواطن.

وسبك فيه نفائس اللفظ وضبطه، وسلك فيه من النمط أوسطه، وقال غيره من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء، كما قام بتأليف الكثير من الكتب في شرح واختصار الإحياء والدفاع عنه، مثل كتاب الإملاء على مشكل الإحياء، والذي ألفه الغزالي نفسه للرد على من انتقده في عصره، وكذلك كتاب إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين للزبيدي، وتعريف الأحياء بفضائل الإحياء، لعبد القادر العيدروس، وكذلك المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار، لعبد الرحيم العراقي، أما الاختصارات، فقد اختصره أخوه أحمد الغزالي في كتاب لباب الإحياء، ومنهاج القاصدين، لابن الجوزي، ويعد بعض الباحثين كتاب الغنية للشيخ عبد القادر الجيلي، مختصرا للأحياء كونه كتب على نفس المنهجية والنفس، وغيرها الكثير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى