مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الطبري ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الطبري ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الرابع مع الإمام الطبري، ثم يعقبها بذكر أشهر الأقوال التي أثرت عن الصحابة والتابعين من سلف الأمة في تفسيرها، ثم يورد بعد ذلك روايات أخرى متفاوتة الدرجة في الثقة والقوة في الآية كلها أو في بعض أجزائها بناء على خلاف في القراءة أو اختلاف في التأويل، ثم يعقب على كل ذلك بالترجيح بين الروايات واختيار أولاها بالتقدمة، وأحقها بالإيثار، ثم ينتقل إلى آية أخرى فينهج نفس النهج عارضا ثم ناقدا ثم مرجحا، وهو إذ ينقد أو يرجح يرد النقد أو الترجيح إلى مقاييس تاريخية من حال رجال السند في القوة والضعف، أو إلى مقاييس علمية وفنية من الاحتكام إلى اللغة التي نزل بها الكتاب، نصوصها وأقوال شعرائها، ومن نقد القراءة وتوثيقها أو تضعيفها، ومن رجوع إلى ما تقرر بين العلماء من أصول العقائد، أو أصول الأحكام.

أو غيرهما من ضروب المعارف التي أحاط بها ابن جرير، وجمع فيها مادة لم تجتمع لكثير من غيره من كبار علماء عصره، وتمتع الإمام الطبري رحمه الله تعالى بمواهب فطرية متميزة، جبله الله الكريم عليها، وتفضل عليه بها، كما حفلت حياته بمجموعة من الصفات الحميدة، والأخلاق الفاضلة، والسيرة المشرفة، وإن كثيرا من صفات الإنسان تكون هبة من الله جل جلاله، وعطاء مباركا من الخالق البارئ، ولا دخل للإنسان فيها، والله يختص برحمته من يشاء، ويفضل بعض الناس على بعض، ويرزق المواهب الخاصة لمن يشاء من عباده، وأما عن الورع والزهد فإن هاتان الصفتان من فضائل الأخلاق، ومن أشد الصفات التي يجب أن يتحلى بها العالم والداعية، والمربي والإمام، وكان الطبري رحمه الله على جانب كبير من الورع والزهد والحذر من الحرام.

وكان الطبري رحمه الله عفيف اللسان، يحفظه عن كل إيذاء لأن فعل اللسان قد يتجاوز في بعض الأحيان اللسان، ولأن جرح السيف قد يُشفى ويبرأ، ولكن هيهات أن يُشفى جرح اللسان، وكان الطبري متوقفا عن الأخلاق التي لا تليق بأهل العلم ولا يؤثرها إلى أن مات، ولما كان يناظر مرة داود بن علي الظاهري في مسألة، فوقف الكلام على داود، فشق ذلك على أصحابه، فقام رجل منهم، وتكلم بكلمة مضة وموجعة لأبي جعفر، فأعرض عنه، ولم يرد عليه، وترفع عن جوابه، وقام من المجلس، وصنف كتابا في هذه المسألة والمناظرة، وكان الطبري عفيف النفس أكثر من ذلك، فهو مع زهده لا يسأل أحدا، مهما ضاقت به النوائب، ويعف عن أموال الناس، ويترفع عن العطايا، وكان الطبري شديد التواضع لأصحابه وزواره وطلابه، دون أن يتكبر بمكانته.

أو يتعالى بعلمه، أو يتعاظم على غيره، فكان يُدعى إلى الدعوة فيمضي إليها، ويُسأل في الوليمة فيجيب إليها وكان رحمه الله لا يحمل الحقد والضغينة لأحد، وله نفس راضية، يتجاوز عمن أخطأ في حقه، ويعفو عمن أساء إليه، وكان محمد بن داود الظاهري قد اتهم الطبري بالأباطيل، وشنع عليه، وأخذ بالرد عليه لأن الطبري ناظر والده، وفند حججه، ورد آراءه، فلما التقى الطبري مع محمد بن داود تجاوز عن كل ذلك، وأثنى على علم أبيه، حتى وقف الولد عن تجاوز الحد، وإشاعة التهم على الطبري ومع كل هذا التواضع، وسماحة النفس، والعفو والصفح، كان الطبري لا يسكت على باطل، ولا يمالئ في حق، ولا يساوم في عقيدة أو مبدأ فكان يقول الحق، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ثابت الجنان، شجاع القلب، جريئا في إعلان الصواب مهما لحق به من أذى الجهال.

ومضايقة الحساد، وتخرصات الحاقدين، وترك لنا الإمام الطبري ثروة علمية تدل على غزارة علمه، وسعة ثقافته،، ودقته في اختيار العلوم الشرعية والأحكام المتعلقة بها، وكان له قلم سيال، ونفس طويل، وصبر في البحث والدرس، فكان يعتكف على التصنيف، وكتابة الموسوعات العلمية في صنوف العلوم، مع ما وهبه الله عليه من ذكاء خارق، وعقل راجح متفتح، وصبر على تحمل المشاق ومن هذه المؤلفات هو جامع البيان في تأويل القرآن، المعروف بتفسير الطبري وتاريخ الأمم والملوك، المعروف بتاريخ الطبري، وكتاب ذيل المذيل، واختلاف علماء الأمصار في أحكام شرائع الإسلام، المعروف باختلاف الفقهاء وهو في علم الخلاف، ولطيف القول في أحكام شرائع الإسلام، وهو كتاب فقه في المذهب الجريري، والخفيف في أحكام شرائع الإسلام، وهو في تاريخ الفقه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى