مقال

الدكروري يكتب عن الإمام القرطبي ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام القرطبي ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الثالث مع الإمام القرطبي، فهذا النص يدلنا على ولعه بالقراءة والكتب منذ نعومة أظفاره، إذ صرح بأنه قرأ أكثر كتب ذلك العالم المذكور وهو في الأندلس بعد، كما كان ولوعا بكتب حافظ المغرب ابن عبد البر، والفقيه العلامة المالكي ابن العربي، فأكثر النقل من كتبهما، ولا سيما التمهيد للأول، وأحكام القرآن للثاني، وهذا يدلنا على مدى تأثره بهما، إذ اجتمع معهما في صفات علمية كثيرة، وقد تأثر به كثير من المفسرين جاءوا بعده، وانتفعوا بتفسيره وأفادوا منه كثيرا، ومن هؤلاء الحافظ بن كثير، وأبو حيان الأندلسي الغرناطي وذلك في تفسيره البحر المحيط، والشوكاني القاضي العلامة محمد بن علي الشوكاني، وقد أفاد من القرطبي كثيرا في تفسيره فتح القدير، قال عنه الذهبي أنه إمام متفنن متبحر في العلم، له تصانيف مفيدة تدل على كثرة إطلاعه ووفود عقله وفضله.

وقال عنه ابن فرحون بأنه كان من عباد الله الصالحين، والعلماء العارفين الورعين الزاهدين في الدنيا، المشغولين بما يعنيهم من أمور الآخرة، أوقاته معمورة ما بين توجه وعبادة وتصنيف، وقال عنه ابن العماد، وكان إماما عالما غواصا من الغواصين على معاني الحديث، حسن التصنيف، جيد النقل، وقال عنه محمد مخلوف هو العالم الإمام، الجليل، الفاضل، الفقيه، المفسر، المحصل، المتقن، الكامل، كان من عباد الله الصالحين، والعلماء العاملين، وقد نشطت الحياة العلمية بالمغرب والأندلس في عصر الموحدين عام خمسمائة وأربعة عشر حتي ستمائة وثماني وستين من الهجرة، وهو العصر الذي عاش فيه القرطبي فترة من حياته أيام إن كان بالأندلس وقبل أن ينتقل إلى مصر ومما زاد الحركة العلمية ازدهارا في هذا العصر أن محمد بن تومرت مؤسس الدولة الموحدية.

كان من أقطاب علماء عصره وقد أفسح في دعوته للعلم وحض على تحصيله، وكان من شيوخ الإمام القرطبي، الشيخ ابن رواج وهو الإمام المحدث أبو محمد عبد الوهاب بن رواج، واسمه ظافر بن علي بن فتوح الأزدي الإسكندراني المالكي، وابن الحميري وهو العلامة بهاء الدين أبو الحسن علي بن هبة الله بن سلامة المصري الشافعي، وكان من أعلام الحديث والفقه والقراءات، وأيضا أبو العباس وهو ضياء الدين أحمد بن عمر بن إبراهيم المالكي القرطبي، وأيضا الحسن البكري، وهو الحسن بن محمد بن عمرو التيمي النيسابوري ثم الدمشقي، أبو علي صدر الدين البكري، وكان من تلامذة الإمام القرطبي ومن أشهر تلاميذه هو ابنه شهاب الدين أحمد، وأبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير بن محمد بن إبراهيم بن الزبير بن عاصم الثقفي العاصمي الغرناطي.

وإسماعيل بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الصمد الخراستاني، وأبو بكر محمد ابن الإمام الشهيد كمال الدين أبي العباس أحمد بن أمين الدين أبي الحسن علي بن محمد بن الحسن القسطلاني المصري، وضياء الدين أحمد بن أبي السعود بن أبي المعالي البغدادي، المعروف بالسطريجي، وقد التزم الإمام القرطبي في هذا التفسير الأمانة العلمية، والموضوعية في الإفادة من أسلافه، فقال وشرطي في هذا الكتاب إضافة الأقوال إلى قائليها، والأحاديث إلى مصنفيها، فإنه يقال من بركة العلم أن يضاف القول إلى قائله، وكان لا يقف في تفسير القرآن عند حد ما رُوي من ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، بل يتخذ ما أوتيه من أدوات العلم وسيلة يستعين بها على فهمه، وكان يقصد إلى تفسير القرآن الكريم ببيان التعبير القرآني وأسراره ومنزلته من الكلام العربي.

ومن هنا عُني باللغات والإعراب والقراءات، كما كان يورد الآية أو الآيات ويفسرها بمسائل يجمعها في أبواب، فيقول مثلا تفسير سورة الفاتحة، وفيه أربعة أبواب، الباب الأول وهو في فضلها وأسمائها، وفيه سبع مسائل ويذكرها، والباب الثاني وهو في نزولها وأحكامها، وفيه عشرون مسألة، والباب الثالث وهو في التأمين، وفيه ثماني مسائل، والباب الرابع وهو فيما تضمنته الفاتحة من المعاني والقراءات والإعراب، وفضل الحامدين، وفيه ست وثلاثون مسألة، وهكذا، وتارة يكون التفسير بمسائل يعدها على نحو ما تقدم من دون فتح باب، ولا ذكر عنوان، وكان القرطبي في هذه المباحث أو المسائل ينتقل من تفسير المفردات اللغوية وإيراد الشواهد الشعرية، إلى بحث اشتقاق الكلمات ومآخذها، إلى تصريفها وإعلالها، إلى تصحيحها وإعرابها.

إلى ما قاله أئمة السلف فيها، إلى ما يختاره المؤلف أحيانا من معانيها، وأحسن المؤلف كل الإحسان بعزو الأحاديث إلى مخرجيها من أصحاب الكتب الستة وغيرهم، وقد يتكلم على الحديث متنا وسندا، قبولا وردا، وكان القرطبي يبين أسباب النزول، ويذكر القراءات واللغات ووجوه الإعراب، وتخريج الأحاديث، وبيان غريب الألفاظ، وتحديد أقوال الفقهاء، وجمع أقاويل السلف، ومن تبعهم من الخلف ثم أكثر من الاستشهاد بأشعار العرب، ونقل عمن سبقه في التفسير، مع تعقيبه على ما ينقل عنه، مثل ابن جرير، وابن عطية، وابن العربي، وإلكيا الهراسي، وأبي بكر الجصاص، وقد أضرب عن كثير من قصص المفسرين، وأخبار المؤرخين والإسرائيليات، وذكر جانبا منها أحيانا كما رد على الفلاسفة والمعتزلة وغلاة المتصوفة وبقية الفرق، ويذكر مذاهب الأئمة ويناقشها،

ويمشي مع الدليل، ولا يتعصب لمذهبه المالكي، وقد دفعه الإنصاف إلى الدفاع عن المذاهب والأقوال التي نال منها ابن العربي المالكي في تفسيره، فكان القرطبي حرا في بحثه، نزيها في نقده، عفيفا في مناقشة خصومه، وفي جدله، مع إلمامه الكافي بالتفسير من جميع نواحيه، وعلوم الشريعة، وبعد رحله طويلة من العطاء وفي مُنية الخصيب بصعيد مصر، كانت وفاة العالم الجليل الحافظ القرطبي وكان ذلك ليلة الاثنين التاسع من شهر شوال سنة ستمائة وواحد وسبعين من الهجرة، وقبره بمحافظة المنيا شرق النيل، رحمه الله رحمة واسعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى