مقال

الدكروري يكتب عن الإمام النووي ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام النووي ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الرابع مع الإمام النووي، كما يقول الذهبي ولما بلغ النووي من العمر سبع سنين، كان نائما ليلة السابع والعشرين من رمضان بجانب والده، فانتبه نحو نصف الليل، يقول والده وأيقظني، وقال يا أبتي، ما هذا الضوء الذي قد ملأ الدار؟ فاستيقظ أهله جميعا فلم نري كلنا شيئا، قال والده فعرفت أنها ليلة القدر، ولما بلغ النووي عشر سنين جعله أبوه في دكان، فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن، وفي سنة نيف وأربعين وستمائة مر بقرية نوى الشيخ ياسين بن يوسف المراكشي، فرأى النووي وهو ابن عشر سنين، والصبيان يُكرهونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، يقول الشيخ ياسين فوقع في قلبي محبته، فأتيت الذي يُقرئه القرآن فوصيته به، وقلت له هذا الصبي يُرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم.

 

وينتفع الناس به، فقال لي أمنجم أنت؟ فقلت لا، وإنما أنطقني الله بذلك، فذكر ذلك لوالده، فحرص عليه إلى أن ختم القرآن، وقد ناهز الاحتلام، وقد مكث النووي في بلده نوى حتى بلغ الثامنة عشر من عمره، ثم ارتحل إلى دمشق، وقدم النووي دمشق إذ قدم به والده أبو يحيى وعمره ثماني عشرة سنة، وكانت مدينة دمشق محجّ العلماء وطلبة العلم من أقطار العالم الإسلامي، وما كان يُرى أنه يمكن أن يستكمل عالم علمه ما لم يؤم إحدى عواصم العالم الإسلامي، وقمر هذه العواصم حينئذ دمشق وكانت فراسة الشيخ المراكشي في النووي، وبُدو النجابة عليه، واشتعال الرغبة فيه لطلب العلم، كل ذلك حدا بأبيه أن يصطحب ولده إلى دمشق ليأخذ العلم عن كبار علمائها، وكان أول ما اهتم النووي به بعد أن بلغ دمشق أن يصل حبله بأحد العلماء يلازمه ويقرأ عليه، ثم أن يجد له مأوى.

 

ويظهر أن أول ما قصده عند دخوله دمشق جامعها الكبير، وكذلك كانت عادة الغرباء يؤمون قبل كل شيء المساجد، ولقي النووي أول من لقي من العلماء خطيب الجامع الأموي وإمامه الشيخ جمال الدين عبد الكافي بن عبد الملك بن عبد الكافي الربَعي الدمشقي وما اجتمع إليه حتى عرّفه مقصده ورغبته في طلب العلم، فأخذه وتوجه به إلى حلقة مفتي الشام تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن ضياء الفزاري المعروف بابن الفركاح، فقرأ عليه دروسا وبقي يلازمه مدة، وهذا أول شيخ للنووي، وفي هذه الفترة التي أمضاها النووي عند شيخه ابن الفركاح يقرأ عليه، لم يكن له موضع يأوي إليه كما يأوي أمثاله من طلبة العلم في المدارس الكثيرة المبثوثة في دمشق، فسأل النووي شيخه ابن الفركاح موضعا يسكنه، ولكن لم يكن بيد شيخه من المدارس سوى الصارمية.

 

ولا بيوت لها، فدله شيخه ابن الفركاح على الكمال إسحاق بن أحمد المغربي بالرواحية، فتوجه إليه ولازمه واشتغل عليه، ومنحه الشيخ في هذه المدرسة بيتا لطيفا، عجيب الحال، فسكنه واستقر فيه، واستمر فيه حتى مات، قال اليافعي وسمعت من غير واحد أنه إنما اختار النزول بها على غيرها لحلها، إذ هي من بناء بعض التجار، وكان قوته بها جراية المدرسة لا غير، والجراية هو خبز يُوزّع على الطلبة كل يوم، بل كان يتصدق منها، ثم ترك تعاطيها، وأقام النووي في دمشق نحوا من ثماني وعشرين سنة، ومعنى هذا أنه حين قدم دمشق كان عمره ثماني عشرة سنة، وحين قدمها لم يترك الإقامة بها كل هذه المدة إلا للحج، أو زيارة قبر الإمام الشافعي، أو بلده نوى لصلة أهله، وكل هذه الفترة أمضاها في بيت صغير في المدرسة الرواحية، يتعلم ويُعلم ويُؤلف الكتب، إلى أن وافته المنية.

 

وبعد نحو سنتين من قدوم النووي إلى دمشق، صحبه أبوه إلى الحج، ويقول النووي فلما كانت سنة إحدى وخمسين حججت مع والدي، وكانت وقفة جمعة، وكان رحيلنا من أول رجب، قال فأقمت بمدينة رسول الله صلي الله عليه وسلم نحوا من شهر ونصف، وقال ابن العطار قال لي والده رحمه الله لما توجهنا من نوى للرحيل أخذته الحُمى فلم تفارقه إلى يوم عرفة»، قال: «ولم يتأوّه قط، فلما قضينا المناسك ووصلنا إلى نوى، ونزل إلى دمشق، صبّ الله عليه العلم صبا، ولم يزل يشتغل بالعلم ويقتفي آثار شيخه المذكور ويقصد الشيخ المراكشي في العبادة من الصلاة وصيام الدهر والزهد والورع وعدم إضاعة شيء من أوقاته إلى أن توفي رحمه الله، وقال السخاوي وغيره إنه حج مرتين، وفهموا ذلك من قول الكمال الدميري فقد قال إنه حج مرة أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى