مقال

الدكروري يكتب عن الإمام العز إبن عبد السلام ” جزء 7″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام العز إبن عبد السلام ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء السابع مع الإمام العز إبن عبد السلام، قام السلطان أيوب بدفع الثمن من ماله الخاص، ليتملك الأرقاء الأمراء، ثم أعتق رقابهم فصاروا أحرارا، واحتفظ بهم قادة، وقبض الشيخ العز الثمن فوضعه في بيت مال المسلمين ليُصرف في شؤونهم العامة ووجوه الخير المختلفة، وقال ابن السبكي وهذا لم يُسمع بمثله عن أحد رحمه الله تعالى ورضي عنه، ولم تمض سنة على حادثة بيع الأمراء حتى وصل إلى علم العز بن عبد السلام ما فعله أستاذ الدار عند السلطان وهو ما يعادل اليوم كبير أمناء الحاكم، وهو معين الدين بن شيخ الشيوخ، والذي كان يجمع إلى منصبه اختصاصات الوزير وقائد الجيش، لكنه يوصف بأنه كان متحللا وعابثا ومعتدا بقوته ومنصبه، ولذلك تجرأ على منكر كبير، يخالف أحكام الدين ويسخر بالشرع، ويسيء إلى مشاعر المسلمين.

 

فبنى فوق أحد مساجد القاهرة طبلخانة أي قاعة لسماع الغناء والموسيقى، وذلك سنة ستمائة وأربعين من الهجرة، وما أن ثبت ذلك عند العز وهو يتولى منصب قاضي القضاة حتى غضب، وأصدر أمره بهدم البناء، ولكنه خشي من الجُبن في التنفيذ أو المعارضة في الهدم، فقام بنفسه وجمع معه أولاده والموظفين عنده وذهب إلى المسجد، وحمل معوله معهم، وقاموا بإزالة المنكر وهدم البناء المستحدث فوق المسجد، ولم يكتفي العز بهذا التحدي للوزير والسلطان معا، بل أسقط عدالة الوزير بما يعني عدم قبول روايته وشهادته، وعزل نفسه عن القضاء حتى لا يبقى تحت رحمة السلطان وتهديده بالعزل أو غيره، وكان لهذا العمل دوي هائل وأثر عجيب، وتنفس الناس الصعداء من تسلط الحكام وارتكاب المخالفات وممارسة التجاوزات الشرعية، ولم يجرؤ أحد أن يمس العز بسوء.

 

بل أدرك السلطان أيوب أن الحق مع العز، وتلطف معه للعودة إلى القضاء ولكنه أصر على ذلك، وطار الخبر في الآفاق حتى وصل إلى الخليفة العباسي في بغداد، وقال ابن السبكي واتفق أن جهّز السلطان الملك الصالح رسولا من عنده إلى الخليفة المستعصم ببغداد، فلما وصل الرسول إلى الديوان ووقف بين يدي الخليفة وأدى الرسالة، خرج إليه وسأله هل سمعت هذه الرسالة من السلطان؟ فقال لا، ولكن حملنيها عن السلطان معين الدين بن شيخ الشيوخ أستاذ داره، فقال الخليفة إن المذكور أسقطه ابن عبد السلام، فنحن لا نقبل روايته، فرجع الرسول إلى السلطان بمصر حتى شافهه بالرسالة، ثم عاد إلى بغداد، وأداها، وكما شارك العز بن عبد السلام عمليا في الجهاد والقتال ضد الصليبيين الذين اتجهوا لاحتلال دمياط وسائر مصر بعد أن وصلوا إلى المنصورة.

 

واستظهروا على المسلمين، فهّب الجيش المسلم في مصر لمواجهة الغزاة، وقال ابن السبكي وكان الشيخ العز بن عبد السلام مع العسكر، وقويت الريح، فلما رأى الشيخ حال المسلمين نادى بأعلى صوته مشيرا بيده إلى الريح يا ريح خذيهم عدة مرات، فعادت الريح على مراكب الفرنج فكسرتها، وكان الفتح، وغرق أكثر الفرنج، وصرخ من بين يدي المسلمين صارخ الحمد لله الذي أرانا في أمة محمد صلي الله عليه وسلم رجلا سخر له الريح، وكان النصر المبين للمسلمين، واعتبر المؤرخون هذه الصيحة من كرامات العز بن عبد السلام، وكان العز جريئا في الحق يعلنه في كل مناسبة، وينطق به في خطبه ودروسه، ويبينه في الفتاوى والأحكام، وفي ذلك أمثلة كثيرة ومواقف عديدة في حياته، منها ما نقله ابن السبكي عن والده أنه سمع شيخه الباجي تلميذ العز يقول.

 

طلع شيخنا عز الدين مرة إلى السلطان الصالح أيوب في يوم عيد إلى القلعة، فشاهد العساكر مصطفين بين يديه، ومجلس المملكة، وما السلطان فيه يوم العيد من الأبهة، وقد خرج على قومه في زينته على عادة سلاطين الديار المصرية، وأخذت الأمراء تقبل الأرض بين يدي السلطان، فالتفت الشيخ إلى السلطان، وناداه يا أيوب، ما حجتك عند الله إذا قال لك ألم أبوئ لك ملك مصر، ثم تبيح الخمور؟ فقال هل جرى هذا؟ فقال نعم، الحانة الفلانية يباع فيها الخمور وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة، يناديه كذلك بأعلى صوته، والعساكر واقفون، فقال يا سيدي، هذا أنا ما عملته، هذا من زمان أبي، فقال أنت من الذين يقولون إنا وجدنا آباءنا على أمة، فرسم السلطان بإبطال تلك الحانة، قال الباجي سألت الشيخ لما جاء من عند السلطان.

 

وقد شاع الخبر يا سيدي كيف الحال؟ فقال يا بنيّ، رأيته في تلك العظمة، فأردت أن أهينه لئلا تكبر نفسه فتؤذيه، فقلت يا سيدي أما خفته؟ فقال والله يا بُني، استحضرت هيبة الله تعالى، فصار السلطان أمامي كالقط، وكما وصف المؤرخ أبو شامة المقدسي شيخه العز بقوله ناصر السنة، وقامع البدعة، فقد كان العز معروفا بمحاربته للبدع والمنكرات، فأزال كثيرا مما كان يراه بدعا يرتكبها عوامُ المسلمين، فأفتى بمنع صلاة الرغائب، كما منع صلاة النصف من شعبان، ومنع إقامتها بالجامع الأموي، لأنه لم يرد فيها سنة صحيحة من رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال العز عن صلاة الرغائب بأن البدع ثلاثة أضرب، الضرب الثالث ما كان مخالفا للشرع، أو ملتزما لمخالفة الشرع، فمن ذلك صلاة الرغائب، فإنها موضوعة على النبي صلي الله عليه وسلم وكذب عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى