مقال

الدكرورى يكتب عن شهر العزة والنصر والتمكين” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكرورى يكتب عن شهر العزة والنصر والتمكين” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع شهر العزة والنصر والتمكين، من أول يوم دخل فيه التتار فى أرض المسلمين سنة ستمائة وستة عشر من الهجرة وإلى هذه السنة سنة ستمائة وثمانى وخمسين من الهجرة، بما يقرب اثنين وأربعين سنه متصلة وصل المسلمون فيها إلى أدنى درجات الذل والهوان، ثم تغيَّر الوضع، وعادت الكرامة والعزة للمسلمين مرة أخرى في رمضان سنة ستمائة وثمانى وخمسين من الهجرة، وليس كأى انتصار لقد فني جيش التتار بكامله، ولكن لماذا تكون أول غزوة فى رمضان؟ ولماذا أول صدام حقيقى مع المشركين يكون في رمضان؟ ولماذا هذا الانتصار الباهر الهائل يكون فى رمضان؟ ولماذا لا يكون في أى شهر؟ أعتبر هذا رسما لسياسة الأمة وتخطيطا لمستقبلها، فأمة لديها شهر تستطيع أن تغير فيه نفسها تماما، أن تبني نفسها، أن تنتقل من مرحلة إلى مرحلة.

 

فيقول ربنا سبحانه وتعالى ” ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ” ولقد تغير المسلمون تماما بعد موقعة بدر، فبعد بدر أصبحت للمسلمين دولة معترف بها، أصبحت لهم شوكة قوية ومكانة ووضع مستقر انتقل المسلمون إلى مرحلة جديدة، العالم كله سمع عن هذه الدولة، اليهود رعبوا، والمشركون انهزموا، والمنافقون ظهروا، تغير هائل بدأ يحدث فى الأرض في كل شيء بدر ليست كأى غزوة، فهى غيرت مجرى التاريخ لذلك سماها ربنا عز وجل يوم الفرقان، وربطها بشهر رمضان من أجل أن نتفكر دائما فى هذا الشهر، فمن من المسلمين لا يعرف أنها كانت فيه؟ حُفرت فى وجدان كل صغير وكبير، وفى وجدان كل رجل وامرأة، يجب أن نتذكر علاقتها برمضان دائما ولكن لماذا غزوة بدر خاصة؟ لماذا يطغى ذكر غزوة بدر على ذكر أى غزوة أخرى من غزوات الرسول؟

 

لأن في بدر وُضعت كل قواعد بناء الأمة الإسلامية فى غزوة بدر عرف المسلمون أن النصر من عند الله وليس بالعدد ولا العدة، فلا يصلح لأمة بعيدة عن ربها، وبعيدة عن دينها أن تنتصر، واقرءوا سورة الأنفال التي تتحدث عن غزوة بدر فيقول تعالى ” وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم” فكيف يمكن لعدد مثل ثلاثة مائة أن يغلبوا ألفا، وهذا العدد القليل معه سبعون جملا، والعدد الكبير معه سبعمائة جمل، هذا العدد القليل معه فرسان، والعدد الكبير معه مائة فرس، العدد القليل خارج بسلاح المسافر، والعدد الكبير خارج بسلاح الجيوش، كيف؟ كيف يمكن لهذا العدد القليل في كل المقاييس المادية أن يغلب هذا العدد الكبير؟ هذا ليس له إلا أمر واحد، ألا وهو أن الله عز وجل هو الذى نصر المؤمنين، نصر الضعفاء القلة الأذلة، كما عبَّر سبحانه فى كتابه الكريم، انتصروا بأسلحة غير تقليدية تماما.

 

فقد انتصروا بالمطر والنعاس، وبالرعب في قلوب الكافرين، وبالتوفيق فى الرأي، وبضعف الرأى عند الأعداء، وانتصروا بالملائكة، فإن الملائكة نزلت تحارب مع المؤمنين في بدر، وهم أفضل الملائكة، وجبريل عليه السلام على رأس الملائكة، وقال تعالى ” وما النصر إلا من عند الله” وقال الله تعالى فى الأنفال ” وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى” فإن غزوة بدر فيها زُرع الأمل فى نفوس المسلمين إلى يوم القيامة، ما دام الله معك فالنصر لا شك حليفك، قواعد وأسس وأصول وُضعت فى غزوة بدر، وعلينا بوحدة الصف لننتصر، فقال تعالى ” ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم” وهذه القاعدة وُضعت في بدر، والتضحية بكل شيء بالنفس والمال، وبالوقت والجهد ليتم النصر، هذه القاعدة وضعت أيضا في بدر، والإعداد قدر المستطاع لمواجهة الأعداء.

 

فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الأنفال ” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به غدو الله وعدوكم” وهذه القاعدة أيضا وضعت في بدر، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فى كل أمر فقال تعالى غى سورة الأنفال ” استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم” فهى قاعدة وضعت أيضا فى بدر، فكل قواعد بناء الأمة الإسلامية وضعت في بدر، وكل هذه القواعد نتعلمها فى رمضان، ونقترب من الله سبحانه وتعالى الذى بيده النصر في رمضان، ونزيد من أواصر المودة والأخوة بين المسلمين، وهى قاعدة من أهم القواعد التى تبني الأمة الإسلامية، تضحى بمالك وجهدك ووقتك في رمضان، تقوى صحتك وبدنك ولياقتك في رمضان، وبإيجاز يكون الجهاد والإعداد له في رمضان، وكم نخسر عندما نفقد هذه المعانى، ويمر الشهر علينا من غير أن نعرف قيمته فى الجهاد في سبيل الله والنصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى