مقال

الدكروري يكتب عن الإمام عبد الوهاب الشعراني ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام عبد الوهاب الشعراني ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام عبد الوهاب الشعراني، وقد كرس جل حياته لتنقية التصوف من الأوهام والخرافات والشبهات التي علقت به، ليعيده إلى ما كان عليه أيام السلف الصالح، فكان بذلك مثالا يحتذى به للتصوف المعتدل والبعيد عن التطرف، كما اشتهر الإمام الشعراني إلى جانب زهده، وورعه، وتقواه، بسعيه الحثيث والمستمر لخدمة المسلمين، ونصحهم، والدفاع عن حقوقهم أمام حكامهم، وبدأ الإمام الشعراني تلقي العلم في عمر مبكر، فقد حفظ القرآن الكريم وهو لا يزال في السابعة من عمره، وقد أظهر الشعراني نباغة وذكاء شديدين، الأمر الذي دفع بوالده ليطلب له الإجازة من الشيخ جلال الدين السيوطي والذي أجازه بالفعل في ذلك، وبعد وفاة والده بأربعة أعوام رحل الشعراني إلى القاهرة، بهدف الدراسة في الأزهر الشريف، والتفقه في الدين، حيث بقي ملازما لشيخه علي الشوني.

 

ما يقارب الخمسة أعوام، وكان للبيئة التي نشأ فيها الشعراني دور كبير في سلوكه طريق التصوف، حيث عُرف عنه منذ طفولته المبكرة كثرة العبادة، والتهجد، وقيام الليل، وقد استمر على نهجه هذا حتى بعد انتقاله إلى القاهرة، حيث لم يمنعه طلب العلم من كثرة الصوم، وكف النفس عن الشهوات، إلى أن قيّض الله له شيخا صوفيا أرشده إلى الطريقة الصحيحة لمعالجة النفس وتزكيتها، ليقبل بعد ذلك على طريق الصوفية بهمة عالية، ودون ملل أو كلل، حتى بالغ في ذلك أشد المبالغة، إذ ألزم نفسه على كبح شهواته حتى عن الحلال، وأجبرها على عمل ما لا تطيق، ومن الأمثلة على ذلك لبسه الملابس المصنوعة من الخيش، وامتناعه عن أكل أطايب الطعام، وغيرها من مظاهر الحياة القاسية، وعاش الشعراني خمس وسبعين عاما وقد ذكر أنه خلف فيها ثلاثمائة كتاب في موضاعات شتى.

 

منها الفتح المبين في جملة من أسرار الدين، والأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية، والكوكب الشاهق في الفرق بين المريد الصادق وغير الصادق، والبحر المورود في المواثيق والعهود، والبدر المنير في غريب أحاديث البشير النذير، والطبقات الصغرى، والطبقات الوسطى، والطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار، والأنوار القدسية في بيان آداب العبودية، والأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية، والدرر المنثورة في بيان زبد العلوم المشهورة، وهو موسوعة في علوم القرآن، والفقه وأصوله، والدين، والنحو، والبلاغة، والتصوف، وكشف الغمة عن جميع الأمة، في الفقه على المذاهب الأربعة، ولطائف المنن والأخلاق في بيان وجوب التحدث بنعمة الله على الإطلاق، وهي المنن الكبرى، في التصوف والأخلاق الإسلامية، ولواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية.

 

والمختار من الأنوار في صحبة الأخيار، ومختصر الألفية لابن مالك، في النحو، ومختصر التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة وهي تذكرة القرطبي، ومختصر تذكرة الإمام السويدي في الطب، وهي تذكرة شهاب الدين أحمد سلاقة القليوبي الشافعي، ومختصر كتاب صفة الصفوة لأبي الفرج ابن الجوزي، ومشارق الأنوار في بيان العهود المحمدية، والمقدمة النحوية في علم العربية، والميزان الكبرى، في الفقه الإسلامي، ومذاهب أصول الفقه، وهو مدخل لجميع أقوال الأئمة المجتهدين ومقلديهم، واليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، والكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر، وهو يدافع فيه عن محي الدين بن عربي، ودرر الغوّاص على فتاوى سيدي علي الخواص، وأما عن كتابه الطبقات الكبرى، فيُطلق على هذا الكتاب أيضا اسم لوافح الأنوار في طبقات الأخيار.

 

أو لواقح الأنوار القدسية في مناقب العلماء والصوفية، وهو يُعد كتابا شاملا لكل ما جاء في كتابي الإمام الشعراني السابقين الطبقات الصغرى، والطبقات الوسطى، حيث تناول الشعراني فيه ترجمة شاملة لسيرة حياة أولياء الله الصالحين، فذكر نبذة مختصرة عن حياتهم، وأعمالهم الصالحة، وحكمهم العظيمة، وأقوالهم ونصائحهم القيمة، إلى جانب ذكره لأهم صفاتهم وكيفية مجاهدتهم لأنفسهم والانقياد والانكسار والاستعانة والتقرب لله تعالى، وقد أراد الشعراني من كتابه هذا أن يقدم نماذج رائعة لكي يحتذي بها المريدون، ويسيرون على هديها، ويقتدون بأفعال أسلافهم ومعلميهم، وكان من أشهر شيوخ الصوفية الذين تتلمذ على يديهم الإمام الشعراني، وكان لهم تأثيرا كبيرا على حياته الشيخ زكريا الأنصاري الذي ألبسه خرقة الصوفية، والشيخ أمين الدين إمام جامع الغمري، والشيخ علي الشوني.

 

الذي نصحه بالإقامة في جامع الغمري، ومن جهة أخرى انكب الشعراني على قراءة كتب ومؤلفات شيوخ الصوفية السابقين من أمثال ابن الفارض، والحلاج، وابن عربي، وذي النون، وأحمد البدوي، وتوفي الإمام عبد الوهاب الشعراني في القاهرة، في شهر جمادى الأولى سنة تسعمائة وثلاث وسبعين من الهجرة، وقد أقيمت الصلاة عليه في جامع الأزهر، ودفن بجانب زاويته بين السورين، علما أنه قد أصيب بالفالج قبل وفاته بمدة قصيرة، وقد قام بالزاوية بعده ولده الشيخ عبد الرحمن ثم توفى سنة ألف وإحدى عشرة من الهجرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى