مقال

الدكروري يكتب عن الإمام محمد أبو زهرة ” جزء 2″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام محمد أبو زهرة ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام محمد أبو زهرة، ووقف أبو زهرة أمام قضية الربا موقفا حاسما، وأعلن عن رفضه له ومحاربته بكل قوة، وكشف بأدلة علمية فساد نظرية الربا وعدم الحاجة إليها، وأنَّ الإسلام حرم الربا حماية للمسلمين ولمجتمعهم، ورأى بعض من لا علم لهم بالشريعة يكتبون في الصحف بأن من الصحابة من كان يترك العمل بالنص إلى رأيه الخاص الذي اجتهد فيه إذا اقتضت المصلحة ذلك، واستشهدوا على ذلك بوقائع لعمر بن الخطاب حين أبطل العمل بحد السرقة في عام الرمادة فقام الشيخ بجلاء هذا الموقف، وبين أن المصلحة تعتمد على النص وترجع إليه، وأن القول دونما نص أو قاعدة كلية إنما هو قول بالهوى فأصول الفقه تستند على أدلة قطعية، وأنه لا يجوز أن يعتمد على العقل في إثبات حكم شرعي، وأن المعول عليه في إثبات الأحكام الشرعية هو النصوص النقلية.

 

وأن العقل مُعين له، وأبان الشيخ اليقظ أن عمر بن الخطاب وأمثاله من مجتهدي الصحابة لم يتركوا العمل بالنص، وإنما فهموه فهما دقيقا دون أن يبتعدوا عنه، وأما عن مؤلفات الإمام الشيخ محمد أبو زهرة، فإنه اشتهر الشيخ أبوزهرة بالفكر الحر في عرض قضايا الإسلام، وسافر إلى كثير من بلاد العالم الإسلامي محاضرا ومشاركا في المؤتمرات، وقد قام بتأليف أكثر من ثلاثين كتاب، وهي خاتم النبيين وهو ثلاث مجلدات، والمعجزة الكبرى وهوكتاب عن القرآن الكريم، وتاريخ المذاهب الإسلامية، وهو جزءان في مجلد واحد، والعقوبة في الفقه الإسلامي، والجريمة في الفقه الإسلامي، والأحوال الشخصية، وكما كتب عن حياة كل من أبو حنيفة، ومالك، والشافعى، وابن حنبل، الإمام زيد، وابن تيمية، وابن حزم، والإمام الصادق، وأحكام التركات والمواريث، علم أصول الفقه، ومحاضرات في الوقف.

 

ومحاضرات في عقد الزواج وآثاره، والدعوة إلى الإسلام، ومقارنات الأديان، ومحاضرات في النصرانية، وتنظيم الإسلام للمجتمع، وفي المجتمع الإسلامى، والولاية على النفس، والملكية ونظرية العقد، والخطابة عن أصولها وتاريخها في أزهى عصورها عند العرب، وتاريخ الجدل، وتنظيم الإسرة وتنظيم النسل، وشرح قانون الوصية، والوحدة الإسلامية، والعلاقات الدولية في الإسلام، والتكافل الإجتماعى في الإسلام، والمجتمع الإنسانى في ظل الإسلام، والميراث عند الجعفرية، وتفسير زهرة التفاسير حتى الآية الثلاث والسبعين من سورة النمل، وبجانب أشهر المؤلفات والموسوعات الإسلامية التي تزيد عن الأربعيين فقد كانت له الكثير من البحوث في العديد من المجلات العلمية والاجتماعية، منها مجلة القانون والاقتصاد، ومجلة المسلمون، ومجلة حضارة الإسلام.

 

ومجلة القانون الدولى، وكتاب أسبوع الفقه الإسلامى، وكتاب أسبوع القانون والعلوم السياسية، ومجلة الأزهر، ومجلة العربى، والعديد من المجلات بمختلف الدول العربية، وكذلك عدد لايحصى من الأحاديث الصحفية كان يرد بها على المهاجمين للإسلام وللدفاع عن قوانين الأحوال الشخصية، وقد عقد الإمام محمد أبو زهرة في أواخر عام ألف وتسعمائة وثلاث وسبعين ميلادي، وأوائل عام ألف وتسعمائة وأربع وسبعين ميلادي العديد من الندوات والاجتماعات بجامعة القاهرة والإسكندرية وفي جمعية الشبان المسلمين لمحاربة التعدي على الشريعة الإسلامية، وكانت له صولات وجولات في مجمع البحوث الإسلامية والأزهر بخصوص تحديد النسل وتقييد تعدد الزوجات والطلاق في مشروع قانون الأحوال الشخصية لوزارة الشئون الاجتماعية، وقرر فضيلة الإمام إقامة مؤتمر شعبي.

 

لمناقشة هذا الأمر في سرادق كبير في شارع العزيز بالله أمام منزله بضاحية الزيتون، أقامه الإمام على نفقته الخاصة وقام فضيلته بمعاينة المكان وإنشاء السرادق مبكرا في صباح يوم الجمعة الثاني عشر من شهر ابريل لعام ألف وتسعمائة واربع وسبعين ميلادي، ثم عاد إلى حجرة المكتب بالدور العلوي وشرع في إكمال تفسير سورة النمل حتى أذان الظهر، وأثناء نزول فضيلته حاملا القلم والمصحف مفتوحا على آخر ما وصل إليه في التفسير وأيضا الورق الذي به ما كتب من التفسير تعثر وسقط ساجدا على المصحف وعلى أوراق التفسير، ثم فاضت روحه إلى بارئها أثناء آذان المغرب، ولقد حظيت الدعوة الإسلامية طوال تاريخها الطويل برجال أشداء في الحق، متجردين في العمل، بارعين في مقارعة خصوم الإسلام الحجة بالحجة، ومن هؤلاء الشيخ محمد أبو زهرة.

 

الذي خاض معارك جمة من أجل الدفاع عن تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر، وتصدى لمشروعات تحديد النسل، وقوانين الأحوال الشخصية الوضعية، وسخر قلمه وفكره لمواجهة فتاوى إباحة الربا، ودعاة الإلحاد والإباحية في عهد شهدت فيه مصر الزخم الاشتراكي الذي حاولت السلطة أن تصبغ به كل نواحي الحياة، كما حاولت إسكات هذا الرجل الفذ باللين حينا، وبالشدة أحيانا دون جدوى إذ كان لا يساوم على دينه، ولا يبيعه بعرض من الدنيا زائل، ولقد آتى الله هذا الرجل فصاحة في الحق، وبلاغة في الذود عن حياض الإسلام، أهلته لأن يقف صلبا في مواجهة السلطة في عصر أفرز عشرات من علماء السلطة الذين يدورون في فلكها، وركابها، ويروجون أفكارها، فحين صدع ذات مرة برأي خالف هوى السلطة، دعاه الحاكم واتهمه بأنه إقطاعي يتكسب من وراء مؤلفاته.

 

فرد عليه الشيخ أبو زهرة في جرأة صارمة إنها مؤلفات كتبت لله، ولم تفرض على أحد، ولم تتول الدولة توزيعها قهرا على المكتبات ودور الثقافة الحكومية لتسجن في الرفوف دون قارئ، وليكسب أصحابها من مال الدولة ما لا يحله الله، وفي مناسبة أخرى دعي إلى مؤتمر افتتحه رئيس الدولة الداعية بكلمة عما سمي اشتراكية الإسلام ودعا العلماء المجتمعين إلى تأييد ما يذهب إليه، فتحير العلماء ولم يريدوا مجاهرته بما يرونه، إلا الشيخ أبو زهرة الذي طلب الكلمة في ثقة وقال إننا نحن علماء الإسلام الذين يعرفون حكم الله في قضايا الدولة، ومشكلات الناس، وقد جئنا هنا لنصدع بما نعرف، فعلى رؤساء الدول أن يقفوا عند حدودهم، فيدعوا العلم إلى رجاله ليصدعوا بكلمة الحق، وقد تفضلت بدعوة العلماء لتسمع أقوالهم لا لتعلن رأيا لا يجدونه صوابا مهما هتف به رئيس.

 

فلنتقي الله في شرع الله، وقد فزع رئيس الدولة فطلب عالما يخالف الشيخ في منحاه فلم يجد، وفض المؤتمر بعد الجلسة الأولى، رحم الله الشيخ العلامة أبا زهرة الذي صان علمه عن الزيغ، وحصن فكره ضد المنافع الشخصية، ولم يخش في الحق لومة لائم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى