مقال

الدكروري يكتب عن الإمام محمد أبو زهرة ” جزء 1″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام محمد أبو زهرة ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الإمام محمد أبو زهرة هو محمد أحمد مصطفى أحمد المعروف بأبى زهرة، ولد في اليوم السادس من شهر ذو القعدة من سنة ألف وثلاثمائة وستة عشر من الهجرة، الموافق التاسع والعشرين من شهر مارس لعام ألف وثماني مائة وثماني وتسعين ميلادي، بالمحلة الكبري بمحافظة الغربية بمصر، وهو عالم ومفكر وباحث وكاتب مصري من كبار علماء الشريعة الإسلامية والقانون في القرن العشرين، وعندما ولد الإمام محمد أبو زهرة بالمحلة الكبري دفعت به أسرته إلى أحد الكتاتيب التي كانت منتشرة في أنحاء مصر تعلم الأطفال وتحفظهم القرآن وقد حفظه الطفل النابه، وأجاد تعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم انتقل إلى الجامع الأحمدي بمدينة طنطا، وكان إحدى منارات العلم في مصر، تمتلئ ساحاته بحلقات العلم التي يتصدرها فحول العلماء، وكان يطلق عليه الأزهر الثاني لمكانته الرفيعة.

 

وقد سيطرت عليه روح احترام الحرية والتفكير، وكره السيطرة والاستبداد، وقد عبَّر أبو زهرة عن هذا الشعور المبكر في حياته بقوله ولما أخذت أشدو في طلب العلم وأنا في سن المراهقة كنت أفكر لماذا يوجد الملوك؟ وبأي حق يستعبد الملوك الناس؟ فكان كبر العلماء عندي بمقدار عدم خضوعهم لسيطرة الخديوي الذي كان أمير مصر في ذلك الوقت، وانتقل الشيخ أبو زهرة بعد ثلاث سنوات من الدراسة بالجامع الأحمدي إلى مدرسة القضاء الشرعي وكان ذلك سنة ألف وثلاثمائة وخمس وثلاثين من الهجرة، بعد اجتيازه اختبارا دقيقا كان هو أول المتقدمين فيه على الرغم من صغر سنه عنهم وقصر المدة التي قضاها في الدراسة والتعليم، وكانت المدرسة التي أنشأها محمد عاطف بركات تعد خريجها لتولي مناصب القضاء الشرعي في المحاكم المصرية، ومكث أبو زهرة في المدرسة ثماني سنوات.

 

يواصل حياته الدراسية في حتى تخرج فيها سنة ألف وثلاثمائة وثلاث وأربعين من الهجرة، حاصلا على عالمية القضاء الشرعي، ثم اتجه إلى دار العلوم لينال معادلتها سنة ألف وثلاثمائة وست وأربعين من الهجرة، فاجتمع له تخصصان قويان لا بد منهما لمن يريد التمكن من علوم الإسلام، وبعد تخرجه عمل في ميدان التعليم ودرس العربية في المدارس الثانوية، ثم اختير سنة ألف وثلاثمائة واثنين وخمسين من الهجرة، للتدريس في كلية أصول الدين، وكلف بتدريس مادة الخطابة والجدل، فألقى محاضرات ممتازة في أصول الخطابة، وتحدث عن الخطباء في الجاهلية والإسلام، ثم كتب مؤلفا عُد الأول من نوعه في اللغة العربية، حيث لم تفرد الخطابة قبله بكتاب مستقل، ولما ذاع فضل المدرس الشاب وبراعته في مادته اختارته كلية الحقوق المصرية لتدريس مادة الخطابة بها.

 

وبعد مدة وجيزة عهدت إليه الكلية بتدريس مادة الشريعة الإسلامية، فزامل في قسم الشريعة عددا من أساطين العلماء مثل أحمد إبراهيم، وأحمد أبي الفتح، وعلي قراعة، وفرج السنهوري، وكان وجود مثل هؤلاء معه يزيد المدرس الشاب دأبا وجدة في الدرس والبحث حتى يرتقي إلى صفوفهم ومكانتهم الرفيعة، وتدرج أبو زهرة في كلية الحقوق التي شهدت أخصب حياته الفكرية حتى ترأَس قسم الشريعة، وشغل منصب الوكالة فيها، وأحيل إلى التقاعد سنة ألف وثلاثمائة وسبع وسبعين من الهجرة، وبعد صدور قانون تطوير الأزهر اختير الشيخ أبو زهرة عضوا في مجمع البحوث الإسلامية سنة ألف وثلاثمائة واثنين وثمانين من الهجرة، وهو المجمع الذي أنشئ بديلا عن هيئة كبار العلماء، وإلى جانب هذا كان الشيخ من مؤسسي معهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة.

 

وكان يلقي فيه محاضراته في الشريعة الإسلامية دون أجر، وكان هذا المعهد قد أنشئ لمن فاتته الدراسة في الكليات التي تعتنى بالدراسات العربية والشرعية، فالتحق به عدد كبير من خريجي الجامعات الراغبين في مثل هذه الدراسات، وكتب الشيخ أبو زهرة مؤلفات كثيرة حيث تناول الملكية، ونظرية العقد، والوقف وأحكامه، والوصية وقوانينها، والتركات والتزاماتها، والأحوال الشخصية في مؤلفات مستقلة وتناول ثمانية من أئمة الإسلام وأعلامه الكبار بالترجمة المفصلة التي تظهر جهودهم في الفقه الإسلامي في وضوح وجلاء، وهم أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وزيد بن علي، وجعفر الصادق، وابن حزم، وابن تيمية، وقد أفرد لكل واحد منهم كتابا مستقلا في محاولة رائدة ترسم حياتهم العلمية، وتبرز أفكارهم واجتهاداتهم الفقهية، وتعرض لآثارهم العلمية التي أثرت في مسيرة الفقه الإسلامي.

 

وإلى جانب الفقه وقضاياه كان لأبي زهرة جهود طيبة في التفسير والسيرة، فكان يفسر القرآن في أعداد مجلة لواء الإسلام، وأصدر كتابا جامعا بعنوان المعجزة الكبرى تناول فيه قضايا نزول القرآن وجمعه وتدوينه وقراءته ورسم حروفه وترجمته إلى اللغات الأخرى، وختم حياته بكتابه خاتم النبيين وقد تناول فيه سيرة نبي الإسلام محمد صلي الله عليه وسلم معتمدا فيه على أوثق المصادر التاريخية، وكتب السُنة المعتمدة، وقد طبعت هذه السيرة في ثلاثة مجلدات، وكان الإمام محمد أبو زهرة من أعلى الأصوات التي تنادي بتطبيق الشريعة الإسلامية في الحياة، وقرر أن القرآن أمر بالشورى ولذا يجب أن يُختار الحاكم المسلم اختيارا حرا فلا يتولى أي سلطان حاكما إلا بعد أن يُختار بطريقة عادلة، وأن اختيار الحكام الصالحين هو السبيل الأمثل لوقاية الشريعة من عبث الحاكمين، وكل تهاون في ذلك هو تهاون في أصل من أصول الإسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى