مقال

الدكروري يكتب عن الاعتكاف ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الاعتكاف ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع الاعتكاف، وهي كثرة الزيارات وإطالتها من قبل بعض الناس لبعض المعتكفين، وينتج عن ذلك كثرة حديث، وإضاعة أوقات, وتفويت لمقصد الاعتكاف العظيم، وأيضا كثرة الاتصالات والمراسلات عبر الهاتف بلا حاجة، وأيضا المبالغة في إحضار الأطعمة وذلك يفضي إلى ثقل العبادة، وإيذاء المصلين برائحة الطعام فالأولى للمعتكف أن يقتصد في ذلك، وأيضا تجنب كثرة النوم، والتثاقل عند الإيقاظ، والإساءة لمن يوقظ من قبل بعض المعتكفين، بدلا من شكره والدعاء له، وإضاعة الفرص فبعض المعتكفين لا يبالي بما يفوته من الخير، فتراه لا يتحرى أوقات إجابة الدعاء، ولا يحرص على اغتنام الأوقات، بل ربما فاته بسبب النوم أو التكاسل بعض الركعات أو الصلوات، وبعض الناس يشجع أولاده الصغار على الاعتكاف، وهذا أمر حسن، ولكن قد يكون الأولاد غير متأدبين بأدب الاعتكاف.

 

فيحصل منهم أذية، وإزعاج، وكثرة مزاح وكلام، وخروج من المسجد، ونحو ذلك, فإذا كان الأمر كذلك فبيوتهم أولى لهم، وإن الاعتكاف سنة للرجال والنساء لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعتكف في رمضان، واستقر أخيرا اعتكافه في العشر الأواخر، وكان يعتكف بعض نسائه معه، ثم اعتكفن من بعده، عليه الصلاة والسلام، ومحل الاعتكاف المساجد التي تقام فيها صلاة الجماعة، وإذا كان يتخلل اعتكافه جمعة فالأفضل أن يكون اعتكافه في المسجد الجامع إذا تيسر ذلك, وليس لوقته حد محدود في أصح أقوال أهل العلم، ولا يشترط له الصوم ولكن مع الصوم أفضل، والسنة له أن يدخل معتكفه حين ينوي الاعتكاف ويخرج بعد مضي المدة التي نواها, وله قطع ذلك إذا دعت الحاجة إلى ذلك لأن الاعتكاف سنة ولا يجب بالشروع فيه إذا لم يكن منذورا ويستحب الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان.

 

تأسيا بالنبي المصطفي صلى الله عليه وسلم، ويستحب لمن اعتكفها دخول معتكفه بعد صلاة الفجر من اليوم الحادي والعشرين اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ويخرج متى انتهت العشر, وإن قطعه فلا حرج عليه إلا أن يكون منذورا كما تقدم، والأفضل أن يتخذ مكانا معينا في المسجد يستريح فيه إذا تيسر ذلك، ويشرع للمعتكف أن يكثر من الذكر وقراءة القرآن, والاستغفار والدعاء والصلاة في غير أوقات النهي، ولا حرج أن يزوره أحد وأن يتحدث معه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزوره بعض نسائه، ويتحدثن معه، وزارته مرة السيدة صفية رضى الله عنها وهو معتكف في رمضان، فلما قامت قام معها إلى باب المسجد، فدل على أنه لا حرج في ذلك، فعليك أن تشحن نفسك قبل الاعتكاف بأيام، وأن تستعد له جيدا، وأن تستمع إلى النصائح الدينية التي تزيد في إيمانك وترفع همتك.

 

وتفقه في أحكامه، واقضي كل أعمالك قبله بوقت كاف، حتى تحضر إليه وتدخل للمعتكف وأنت صافي الذهن ليس في خلدك إلا الإقبال على عبادة ربك والخلوة والتضرع إلى الله ومناجاته، ولاتكن مثل من حمل معه إلى المعتكف شيئا من أعمال الدنيا لينهيها أو يتابعها هناك، أو مثل بعض المخذولين ممن يدخل للمعتكف ولازال لم ينته من أعمال العيد بعد، حتى إذا قربت نهاية الاعتكاف وبقيت الليالي الآكد لتحري لليلة القدر خرج ليفصل ثوب العيد، وكما عليك قبل أن تدخل الاعتكاف حدد هدفك، فهناك أهداف عامة للمعتكفين كالتفرغ للعبادة والخلوة وتربية النفس على العبادة والازدياد من الأجور وغير ذلك، وكما أن هناك أهداف خاصة ينبغي أن تكون في ذهن المعتكف حاضرة من أول رمضان بل قبل ذلك إن تيسر، ومن ذلك أن يحدد الإنسان ذنوبا يعاني منها ومبتلى بها ليتضرع إلى الله في طلب التخلص منها.

 

وليضع خطوات عملية في تركها، وكذلك أي يكون للإنسان هدف في المراجعة أو الحفظ أو انجاز عمل معين على أن لا يصرف ذلك عن المقصود الأسمى من الاعتكاف وهو التفرغ والخلوة والتضرع والانكسار بين يدي الله عز وجل، ولا تدخل الاعتكاف وتخرج منه ولم يتغير عندك شيء فإن كنت كذلك فهذا هو الخسران المبين إذ لابد من زيادة في الإيمان وإخبات وحسن خلق وتوبة وإنابة، وكل ساعة من ساعات اليوم بل كل دقيقة محسوبة لك أو عليك وذاهبة فإما في خير تملأها فيه وإما سبهللا، واهتم بنظر الخالق إليك ولا تهتم أبدا بنظر الخلق إليك فلو نظرت إلى الخلق وجعلتهم في حسبانك تعبت ولم تستطع إرضائهم أبدا، وإن جعلت نظرك خالصا للخلق سبحانه رضي الله عنك وأرضى عنك الناس، وكن مخبتا متخشعا متذللا، واهتم بنفسك بعبادتك وصلاتك فحسنها وأصلحها، بعيوبك فعالجها وانشغل بها عن عيوب الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى