مقال

الدكروري يكتب عن العشر الآواخر والاعتكاف ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن العشر الآواخر والاعتكاف ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد وصلنا إلي أول ليلة من ليالي العشر الآواخر من رمضان فوجب علينا الجد والإجتهاد كما كان يصنع النبي صلي الله عليه وسلم وإن مما كان يفعله النبي صلي الله عليه وسلم في هذه العشر هو الإعتكاف في مسجده ومعني الاعتكاف هو قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق، وكلما قويت المعرفة بالله، والمحبة له، والأنس به أورثت صاحبها الانقطاع إلى الله تعالى بالكلية على كل حال، وكان بعضهم لا يزال منفردا في بيته، خاليا بربه، فقيل له أما تستوحش؟ قال كيف أستوحش وهو يقول أنا جليس من ذكرني” ومن مقاصد الاعتكاف هو تحصيل ليلة القدر، والتفرغ في ليلتها للطاعات فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها حصير، قال فأخذ الحصير بيده فنحّاها في ناحية القبة.

 

ثم أطلع رأسه فكلم الناس فدنوا منه، فقال “إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف” فاعتكف الناس معه، قال “وإني أريتها ليلة وتر، وإني أسجد صبيحتها في طين وماء” فأصبح من ليلة إحدى وعشرين وقد قام إلى الصبح، فمطرت السماء فوكف المسجد فأبصرت الطين والماء، فخرج حين فرغ من صلاة الصبح وجبينه وروثة أنفه فيهما الطين والماء، وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر، والاعتكاف مسنون للرجال والنساء في مساجد الصلوات الخمس والجوامع فعن السيدة عائشة رضِي الله عنها قالت “كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده” فتعتكف المرأة في المسجد إذا لم يخشي عليها.

 

وعلى المعتكف أن يرجح بين المصالح والمفاسد فمثلا من كان عنده أبوان يحتاجانه، أو كان له أولاد يحتاجون إلى رعاية ومتابعة على الصلاة وغيرها، فهذا يترك الاعتكاف، فالاعتكاف أفضل من تركه غالبا في حق من ليس لديه أولاد كبار، فليستغل المرء هذه الفترة لأنه سيمر عليه وقت قد لا يتمكن من الاعتكاف، وكذلك كبار السن ممن استقل أولادهم عنهم، والاعتكاف مشروع في السنة كلها حيث قال ابن عبدالبر “أجمع العلماء على أن رمضان كله موضع للاعتكاف، وأن الدهر كله موضع للاعتكاف، إلا الأيام التي لا يجوز صيامها” بناء على الخلاف ولكن هل الصيام شرط لصحة الاعتكاف أو لا؟ إلا أنه في العشر الأواخر من رمضان آكد لأنه الذي استقر عمل النبي صلى الله عليه وسلم عليه، ولما لم يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر من رمضان قضاه في شوال.

 

ومن اعتكف العشر الأواخر من رمضان يدخل قبل غروب شمس اليوم العشرين لأن العشر الأواخر من رمضان تبدأ بليلة إحدى وعشرين، وما جاء في حديث السيدة عائشة رضي الله عنها “إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه” فالمراد به المكان الخاص الذي يخلو به، والله أعلم، ويخرج ليلة العيد فحينما يعلن أن غدا العيد تكون انتهت العشر الأواخر ودخل شهر شوال، وأقل المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه ليلة فعن ابن عمررضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام؟ قال فأوفي بنذرك” وفيه دليل على أن الاعتكاف لا يشترط له الصوم، ولا حد لأكثر الاعتكاف لعموم الأدلة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينفرد وهو معتكف في مكان خاص ففي حديث أبي سعيد رضي الله عنه “في قبة تركية”

 

مشتغلا بالذكر، ومن ذلك القرآن فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة” وكما كان صلي الله عليه وسلم مشتغلا بالصلاة فتشغله العبادة حتى عن الطعام والشراب في بعض الأحيان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم، فقال له رجل من المسلمين إنك تواصل يا رسول الله؟ قال “وأيكم مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقين” فلما أبوا أي رفضوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال” والمراد من قول النبي صلى الله عليه وسلم “يطعمني ربي ويسقين” طعام وشراب معنوي لا حسي، فانشغاله بذكره ومناجاته التي هي غذاء القلوب تنسيه الأكل والشرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى