مقال

الدكروري يكتب عن الإمام أبا يزيد البسطامي ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام أبا يزيد البسطامي ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الإمام أبا يزيد البسطامي هو أبو يزيد طيفور بن عيسى بن شروسان البسطامي، وهو متصوف إسلامي وروحاني وقد لقب بسلطان العارفين من أهل القرن الثالث الهجري وترك بصمة كبيرة في عالم التصوف، على الرغم أنه لم يترك أي كتب أو مؤلفات لكن اتبعه العديد من التلامذة والمقلدين ويعرف أتباعه بالطيفورية أو البسطامية، والبسطامي هو كبير الشأن عند الصوفية وقد أخرج الحسين بن عيسى البسطامي أحد شيوخ البخاري ومسلم ومن الأئمة الثقات، وقد اخرج أبو يزيد البسطامي هذا من بسطام ولم يستطع أبو يزيد البسطامي دخول بسطام حتى توفي الحسين بن عيسى البسطامي كما أفاد ذلك ابن حبان في الثقات في ترجمة الحسين بن عيسى وابن الجوزي في تلبيس إبليس، وأبويزيد البسطامي من أعلام الرجال الذين يذكرهم أهل التصوف دائما ولعل بعضهم يدخله في عداد الرجال.

 

الذين يصطلح الصوفية على أنهم يقتدى بهم في الظاهر والباطن والحق أنه كان صوفيا بمعنى التصوف الباحث في قواعد الإحسان في العبادة، ويروى أنه سمع عن رجل يقال بأنه من الصالحين فذهب وتلامذته له فرآه يبصق تجاه القبلة فرجع ولم يسلم عليه وقال لتلاميذه بأن هذا رجل غير مأمون على أدب من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يؤتمن على مايدعي من الكرامة، وولد الإمام أبا يزيد البسطامي سنة مائة وثماني وثمانين من الهجرة، واسمه الفارسي بايزيد، كما عرف كذلك باسم طيفور، وقيل ان جده شروسان مجوسيا وأسلم، وله من الأخوان آدم وعلي وكذلك أختين، وهو من أهل بسطام وهي بلدة بين خراسان والعراق فكان أصله منها ووفاته بها، وأبو يزيد ثاني إخوته آدم وطيفور وعلي كلهم كانوا من الصوفية، ولكن أبا يزيد كان أشهرهم، وكان له أحوال وأقوال لم يسبق إليها.

 

وكان يستشعر اتحاد ذاته بذات الله عز وجل، وهو أول من استخدم لفظ الفناء بمعناه الصوفي الذي يقصد منه الاتحاد، ويعد أبو يزيد البسطامي أول من أشاع في الساحة الإسلامية فكرة الفناء الصوفي بمعنى الاتحاد بذات الله وإن كانت النظرية هندية الجذور حيث إنها أخذت عن عقيدة الواحدية التي أساسها فكرة المراقبة التي يرادفها في الفلسفة الصوفية الهندية البوذية مصطلح الذيانا والسماذي، والذيانا عبارة عن التأمل والمراقبة، والسماذي هو الاستغراق، وبمجموع المراقبة والاستغراث يصل المريد في زعم أصحاب النظرية إلى مرتبة يصبح فيها المراقب والمراقَب واحدا، وتلك هي جوهر نظرية البسطامي التي أخذها عن صوفية الهند في فلسفة الذيانا والسماذي، بواسطة شيخه أبي علي السندي الذي علمه الطريقة الهندية في مراقبة الأنفاس، تلك التي عدها البسطامي جوهر عبادة العارف بالله.

 

وتتلمذ على يد شيخه أبي علي السندي الذي علمه الطريقة الهندية في مراقبة الأنفاس، تلك التي عدها البسطامي جوهر عبادة العارف بالله, وروى عن إسماعيل السدي، وجعفر الصادق، واتبع طريقته العديد من الزُهّاد والمتصوفة منهم سعيد الراعي وخطاب الطرزي وخادمه أبو موسى ومحمد الكوهياني ومحمد راعي الإبل وأبو اسحاق الهرمي وسعيد المنحوراني، وقال البسطامي بوحدة الوجود ونسبت إليه بعض الشطحات، كقول “لا إله إلا أنا فاعبدوني” وقوله “سبحاني ما أعظم شأني” وقال عنه الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين “وأما أبو يزيد البسطامي رحمه الله فلا يصح عنه ما يحكى وإن سمع ذلك منه فلعله كان يحكيه عن الله عز وجل في كلام يردده في نفسه، كما لو سمع وهو يقول “إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني” فإنه ما كان ينبغي أن يفهم منه ذلك إلا على سبيل الحكاية”

 

وفي تقرير مذهبه في الاتحاد يمضي البسطامي فيقول من ثلاثين سنة كان الحق مرآتي فصرت اليوم مرآة نفسي، لأني لست الآن من كنته، وفي قولي أنا والحق إنكار لتوحيد الحق لأني عدم محض، إذن بعد أن كان منذ ثلاثين سنة يربي نفسه على الآداب الشرعية أو الرياضيات الصوفية حان وقت الوصول والمعرفة، وحان وقت الانقطاع عن التقيد بتلك الآدات، فصار بذلك مرآة نفسه يقنن لها السبيل الذي ينبغي أن تسلكه، وذلك بعد أن شب عن الطوق وبلغ رشده، ولم يعد أبا يزيد الذي كان معروفا بالأمس القريب، حيث صار عدما محضا بعد أن تم له الاتحاد الذي كان ينشده ويسير وراءه ويبتغيه، وصار هو والحق شيئا واحدا بل أصبح مجرد قوله أنا والحق إنكارا لتوحيده الذي هو الاتحاد، ومن هنا ساغ له أن يقول خرجت من بايزيديتي كما تخرج الحية من جلدها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى