ثقافة

الدكروري يكتب عن الإمام إبن القيم الجوزية ” جزء 5″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن القيم الجوزية ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الخامس مع الإمام إبن القيم الجوزية، بل انظر إلى ما قال، لا إلى من قال، وقد ذم الله تعالى من يرد الحق إذا جاء به من يبغضه، ويقبله إذا قاله من يحبه فهذا خلق الأمة الغضبية، قال بعض الصحابة اقبل الحق ممن قاله وإن كان بغيضا، ورد الباطل على من قاله وإن كان حبيبا، ويقول في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين، ليحذر المفتي الذي يخاف مقامه بين يدي الله سبحانه أن يفتي السائل بمذهبه الذي يقلده، وهو يعلم أن مذهب غيره في تلك المسألة أرجح من مذهبه وأصح دليلا، فتحمله الرياسة على أن يقتحم الفتوى بما يغلب على ظنه أن الصواب في خلافه فيكون خائنا لله ورسوله وللسائل وغاشا له، والله لا يهدي كيد الخائنين، وحرم الجنة على من لقيه وهو غاش للإسلام وأهله، والدين النصيحة، والغش مضاد للدين كمضادة الكذب للصدق والباطل للحق.

وكثيرا من ترد المسألة، نعتقد فيها خلاف المذهب، فلا يسعنا أن نفتي بخلاف ما نعتقده، فنحكي المذهب الراجح ونرجحه، ونقول هذا هو الصواب، وهو أولى أن يؤخذ به، وبالله التوفيق، ويعده بعض العلماء حنبليا لا يخرج به عن دائرة المذهب، وبعضهم يعده مجتهدا في المذهب، وبعضهم يعده مجتهدا مطلقا، فيقول ابن العماد الحنبلي في ترجمته له الفقيه الحنبلي بل المجتهد المطلق، ويقول الشوكاني في ترجمته شمس الدين ابن قيم الجوزية الحنبلي، العلامة الكبير، المجتهد المطلق، المصنف المشهور، وقال ابن بدران في منادمة الأطلال وترجمه العدوي، فقال هو المجتهد المطلق، المفسر، المتفنن في علوم عديدة، ويرى ابن القيم أن السلف هم أفضل الناس مذهبا، وأن مذهبهم هو خير المذاهب وأسلمها وأن السبب في تقهقر المسلمين وضعفهم وتسلط عدوهم عليهم ما أحدثوه من بدع ومذاهب فرقت كلمتهم.

وأن منهج السلف هو الإقرار بكل ما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسوله بما في ذلك الصفات التي أنكرها المتكلمون، فيذكر أن التأويل مخالف لمذهب السلف قائلا والحال في هؤلاء المبتدعة الذين فضلوا طريقة الخلف على طريقة السلف حيث ظنوا أن طريق السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه ولا فهم لمراد الله ورسوله منها، واعتقدوا أنهم بمنزلة الأميين الذين قال الله تعالي فيهم ” ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني” وأن طريقة المتأخرين هي استخراج معاني النصوص، وصرفها عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات ومستكرهات التأويلات، فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وراء ظهورهم، فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف والكذب عليهم وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف.

كما ركز على ذم منهج المشبهة، حيث يُثبت لله ما جاء في القرآن والسنة النبوية من أسماء وصفات من غير تعطيل ولا تحريف ولا تبديل ولا تأويل ولا تشبيه ولا تمثيل، فيقول نصف الله تعالى بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تشبيه ولا تمثيل، بل نثبت له سبحانه وتعالى ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، وننفي عنه النقائص والعيوب ومشابهة المخلوقات إثباتا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل، فمن شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه، أو ما وصفه به رسوله تشبيها، فالمشبّه يعبد صنما، والمعطل يعبد عدما، والموحد يعبد إلها واحد صمدا، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأما عن التصوف عند ابن القيم فهو الزهد وتزكية النفس وتهذيبها من محبة الله وخشيته وتقواه.

لتستعد لسيرها إلى صحبة الرفيق الأعلى وأن التصوف الحق هو العمل بالسنة واتباع ما أنزل الله على رسوله، ومصادره عنده القرآن والسنة وأقوال الصحابة وأفعالهم التي تدعو إلى الزهد في الدنيا والترغيب في الآخرة، كما اعتد بما سمعه من شيخه ابن تيمية في ذلك، فيقول والمعصوم من عصمه الله، فلا شيء أنفع للصادق من التحقق بالمسكنة والفاقة والذل وأنه لا شيء، ولقد شاهدت ذلك من شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه من ذلك أمرا لم أشاهده من غيره، وكان يقول كثيرا ما لي شيء، ولا مني شيء، ولا في شيء، كما استأنس بأقوال الأئمة السابقين في ذلك مثل الجنيد وذي النون المصري وسفيان الثوري وابن حنبل والهروي وغيرهم، وقد قسم الصوفية إلى ثلاثة أقسام مثلما قسمها شيخه ابن تيمية، فقسمهم إلى صوفية الحقائق وهم الزهاد الحكماء المتبعون لسنة النبي صلي الله عليه وسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى