مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن حزم الأندلسي ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن حزم الأندلسي ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام إبن حزم الأندلسي، بل إن ابن حزم نفسه لم يطالع على أدنى إشارة تجاهها في أي من كتبه التي صنفها وكتبها، ومن ثم فالخلاف بين الباحثين حول أصلها لم يحسم بعد ولعل الحديث عن العلاقة بين بعض أقارب ابن حزم وأثرها على نفسيته وفكره ترتبط بهذا المقام ونخص بالذكر أبى المغيرة عبد الوهاب وهو ابن عمه الذي كان يتبادل مع ابن حزم رسائل المودة في حداثة سنهما، ثم جرت بينهما جفوة سببها كتاب وصل أبا المغيرة عن ابن حزم، وصفه الأول بأنه مبني على الظلم والبهتان والمكابرة فكان لهذا أثره على ابن حزم في اعتزازه بنفسه وشدة حدته إذ وجد أن أحد أقربائه الذي كان يتودد إليه في الصغر، انقلب عليه هو الآخر، وانضم إلى خصومه ومعارضيه، ومن ثم فقد كل نصير يمكن أن يعتمد عليه سوى ذاته الانفرادية التي اعتز بها، ومن المصنف الذي وضعه ابن حزم عن أسرته.

 

والذي يدعى تواريخ أعمامه وأبيه وأخواته وبنيه وبناته مواليدهم وتاريخ من مات منهم في حياته، يتضح أن أبناءه كانوا جمعا من البنين والبنات، ولكن لا نعرف عن بناته شيئا لفقدان هذا المصنف، فضلا عن عدم إشارة المصادر إليهن، وقيل لو كان تم العثور على هذا المصنف، لكان مجالا خصبا في التعرف على أزواجهن وأسرهن، وأثر هذه المصاهرة على فكر أبيهم وتراثه، هل دافعوا عنه وأذاعوا مصنفاته ؟ أم هاجموه وانتقدوا فكره ؟ مثلهم في ذلك مثل خصومه، وأما عن أبنائه الذكور، فيعرف منهم أربعة وهم أبو رافع الفضل، وأبو أسامة يعقوب، وأبو سليمان المصعب، وسعيد، وكانوا كلهم ظاهريي المذهب، وقد سكن ابن حزم وأبوه قرطبة ونالا فيها جاها عريضا، وأصبح أبوه أحمد بن حزم من وزراء الحاجب المنصور بن أبي عامر وهو من أعظم حكام الأندلس، فارتاح باله من كد العيش والسعي وراء الرزق، وتفرغ لتحصيل العلوم والفنون.

 

فكتب طوق الحمامة في الخامسة والعشرين من عمره، وقد رزق ذكاء مفرطا وذهنا سيالا، وقد ورث عن أبيه مكتبة ذاخرة بالنفائس، واشتغل في شبابه بالوزارة في عهد الخليفة المظفر بن المنصور العامري، ثم ما لبث أن أعرض عن الرياسة وتفرغ للعلم وتحصيله، كما تولي وزارة للمرتضي في بلنسية، ولما هزم وقع ابن حزم في الأسر وكان ذلك في أواسط سنة ربعمائة وتسع من الهجرة، ثم أطلق سراحه من الأسر، فعاد إلى قرطبة، وكما تولي الوزارة لصديقه عبد الرحمن المستظهر في شهر رمضان سنة ربعمائة وإثني عشر من الهجرة، ولم يبقي في هذا المنصب أكثر من شهر ونصف، فقد قتل المستظهر في ذي الحجة من السنة نفسها، وسجن ابن حزم ثم عفي عنه، وكما تولى ابن حزم الوزارة أيام الخليفة هشام المعتد فيما بين سنتي ربعمائة وثماني عشر إلي ربعمائة واثنين وعشرين من الهجرة، وكان إبن حزم مجتهد مطلق.

 

وإمام حافظ، كان شافعي الفقه، فانتقل منه إلى الظاهرية، وافق العقيدة السلفية في بعض الأمور من توحيد الأسماء والصفات وخالفهم في أخرى وكل ذلك كان باجتهاده الخاص، وله ردود كثيرة على الشيعة واليهود والنصارى وعلى الصوفية والخوارج، وكان أصل ابن حزم ما يعرف عادة بالمذهب الظاهري وهو مذهب يرفض القياس الفقهي الذي يعتمده الفقه الإسلامي التقليدي، وينادي بوجوب وجود دليل شرعي واضح من القرآن أو من السنة لتثبيت حكم ما، لكن هذه النظرة الاختزالية لا توفي ابن حزم حقه فالكثير من الباحثين يشيرون إلى أنه كان صاحب مشروع كامل لإعادة تأسيس الفكر الإسلامي من فقه وأصول فقه، وكان الإمام ابن حزم ينادي بالتمسك بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة ورفض ما عدا ذلك في دين الله، لا يقبل القياس والاستحسان والمصالح المرسلة التي يعتبرها محض الظن، ويمكن أن نقلص من حدة الخلاف بينه وبين الجمهور.

 

حول مفهوم العلة وحجيتها، إذا علمنا أن كثيرا من الخلاف قد يكون راجعا إلى أسباب لفظية أو اصطلاحية وهو ما أشار إليه ابن حزم بقوله والأصل في كل بلاء وعماء وتخليط وفساد، اختلاط الأسماء، ووقوع اسم واحد على معاني كثيرة، فيخبر المخبر بذلك الاسم، وهو يريد أحد المعاني التي تحته، فيحمله السامع على غير ذلك المعنى الذي أراد المخبر، فيقع البلاء والإشكال، وكان الإمام ابن القيم شديد التتبع لآثار وكتب ابن حزم، وكان يصفه بمنجنيق العرب أو بمنجنيق الغرب وكانت الناس تضرب المثل في لسان ابن حزم، فقيل عنه سيف الحجاج ولسان ابن حزم شقيقان، فلقد كان ابن حزم يبسط لسانه في علماء الأمة وخاصة خلال مناظراته مع المالكية في الأندلس، وهذه الحدة أورثت نفورا في قلوب كثير من العلماء عن ابن حزم وعلمه ومؤلفاته، وكثر أعداؤه في الأندلس، وأيضا تعرضه لفقهاء عصره الجاحدين المنتفعين من مناصبهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى