مقال

الدكروري يكتب عن هيا نودع رمضان ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن هيا نودع رمضان ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع هيا نودع رمضان، وهكذا يُستقبل رمضان، والآن يُختم رمضان، وغدا يختم العام، وبعد غد يختم العمر، وبعده يبعثر ما في القبور، ويحصّل ما في الصدور، وتجثو الأمم لهول يوم النشور، ثم تختم الرحلة جميعها إما بجنان عالية، أو نيران حامية، هكذا يباغتنا الزمن، وتطوينا الأيام، وتسافر بنا الأعوام، هكذا ينقضي العمر، وتنصرم الحياة في سرعة غريبة، وحركة عجيبة، فقبل أيام قريبة كانت إطلالة شهر رمضان، فاستقبلناه بالبشر، ولقيناه بالترحاب، واليوم فى طرفة عين، نودعه، نودعه ولم نملأ بعد من وصاله أعيننا، ولم تشبع أنفسنا، ولم ترتو قلوبنا، نودعه ونحن لازلنا نعيش في غمرة استقباله، وفرحه إطلاله، فكيف عجل بفراقه، وبادر برحيله، دون مراعاة لأحبة تكاد قلوبهم تتمزق لغيابه عنها، وداعا أيها الحبيب الراحل، والأنيس المسافر وداعا لساعات الوصال.

 

وأيام اللقاء، ولحظات الصفاء، وداعا يا شهر الخير والبركات، والبر والحسنات، واللطف والنفحات، وداعا يا ميدان الطاعة، وموسم العبادة، وداعا لأيام صفت فيها النفس، وزكا بها الفؤاد، وسما بها الفكر، وداعا لليال نشطت فيها الأجسام، وتراصت الأقدام، وحسُن الخشوع، وعذب الخضوع، ونثرت الدموع وداعا لحلاوة الإفطار بعد الصيام، والراحة بعد القيام، والرى بعد العطش وداعا لتلذذ بتفطير الصائمين، وإطعام الجائعين، ومعونة المعوزين، وداعا لأيام تعطرت فيها الأجواء بعبير الدعاء، وتزينت فيها الأرجاء بأريج الثناء، واحزناه على نغمات القرآن الحانية وهي تداعب القلوب، وتسمو بالأرواح واحزناه على ليال ضجت فيها الأصوات، وتعالت الدعوات واحزناه على منظر المؤمنين الصائمين، ومشهد المعتمرين الطائفين واحزناه على ما فرطنا في جنب الله، يا ليتنا اجتهدنا.

 

يا ليتنا أكثرنا، يا ليتنا صبرنا، يا ليتنا ما كسلنا ولا تهاونا، إن الله عز وجل قد شرع لنا فى نهاية هذا الشهر المبارك عبادات تزيدنا من الله قربة, فشرع لنا صدقة الفطر وهي فريضة شرعها الله عز وجل على الكبير والصغير, والذكر والأنثى, والحر والعبد, وهى زكاة للبدن وطهرة للصائم من اللهو والإثم, وشكر لله على إتمام الصيام والأعمال الصالحة، وهذا الشهر هو شهر الإحسان إلى الفقراء ويجب أن يخرج المسلم زكاته عن نفسه وعمن تلزمه نفقته من زوجه وأولاده وسائر من ينفق عليهم, ووقت إخراجها من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد, ويجوز تعجيلها قبل العيد والمستحب إخراجها بعد صلاة الفجر يوم العيد وقبل صلاة العيد, ولا يجوز تأخيرها، ولقد كان السلف الصالح رحمهم الله يجتهدون في إتقان العمل وإتمامه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده.

 

ويقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه “كونوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل ” إنما يتقبل الله من المتقين” وها هو شهركم قد قرب رحيله وأزف تحويله، فمع نهاية يومين أو ثلاثة يودعنا هذا الضيفُ الكريم، فهو شهر كثير خيره، عظيم بره، جزيلة بركته، فنسأل الله الذى يسر صيامه وقيامه لنا، أن يتقبله منا، وأن يجعله شاهدا لنا لا علينا، ونحن نودع شهرنا الكريم، هذه همسات الوداع تقول أحسنوا وداع شهركم، ضاعفوا الإجتهاد في هذه الليالى، أكثروا من الذكر، وأكثروا من تلاوة القرآن، وأكثروا من الصلاة، أكثروا من الصدقات، وأكثروا من تفطير الصائمين، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر ما لا يجتهد فى غيرها، وهذه بساتين الجنان قد تزينت، وهذه نفحات الرحمن قد تنزلت، فحرى بالغافل أن يعاجل.

 

وجدير بالمقصر أن يشمر، وإن الجياد الأصيلة إذا قاربت الوصول جدت المسير، فاطلبوا الليلة العظيمة، ليلة العتق والمباهاة ، ليلة القرب والمناجاة، ليلة القدر، ليلة نزول القرآن، ليلة الرحمة والغفران، ليلة خير من ألف شهر، ليلة من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه كما في البخاري من حديث أبي هريرة رضى الله عنه، فيا حسرة من فاتته هذه الليلة فى سنواته الماضية، ويا أسفى على من لم يجتهد فيها في الليالي القادمة، فيا من تعودت القرآن فى هذا الشهر داوم على تلاوته ولا تقطع صلتك به فإنه حبل الله المتين, وهو روح من الله, وهو شفيعك عند ربك وحجتك يوم القيامة فلا تعرض عنه بعد رمضان فإنه لا غنى عنه بحال من الأحوال، ويا من كان يتصدق في هذا الشهر خصص من مالك شيئا تتصدق به على الفقراء, وعلى الأيتام فإن الله سبحانه وتعالى يرضى من عباده الصدقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى