مقال

الدكروري يكتب عن التاجر الأمين ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن التاجر الأمين ” جزء 4″

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

ونكمل الجزء الرابع مع التاجر الأمين، فلما جعل أحمالها في داره، جاءه التجار، فقال لهم ماذا تريدون؟‏ ‏ فقالوا إنك لتعلم ما نريد، بعنا من هذا الذي وصل إليك، فإنك تعلم حاجة الناس إليه، ‏فقال عثمان “حبّا وكرامة” كم تربحونني على شرائي؟‏ قالوا الدرهم درهمين، قال أُعطيت زيادة على هذا قالوا أربعة، قال أعطيت أكثر قالوا نربحك خمسة، قال أعطيت أكثر، فقالوا ما في المدينة تجار غيرنا، وما سبقنا أحد إليك، فمن الذي أعطاك أكثر مما أعطينا؟‏‏ قال إن الله أعطاني بكل درهم عشرة، فهل عندكم زيادة؟‏‏ قالوا لا،‏‏ قال فإني أشهد الله، أني جعلت ما حملت هذه العير صدقة لله على المساكين وفقراء المسلمين، ثم أخذ يُفرق بضاعته، فما بقي من فقراء المدينة أحد إلا أخذ ما يكفيه وأهله، وإن من آداب وضوابط البيع هو القناعة لدى البائع بما يسر الله له فأنت أيها البائع لا بد أن تربح وتسعى في الربح لكن ليكن هذا الربح ربحا واقعيا لا ربحا تجاوزيا.

 

فإن كثير من المبالغات في السلع التي يفرضها بعض الباعة مخالفة للواقع فتكون السلعة مثلا بكذا وترى الأرباح فيها عالية جدا جدا، فلا بد من قناعة لك أيها المسلم وقناعة بالرزق الذي تحصل عليه وأن يكون ربحك ربحا طيبا ربحا مباركا لا ضرر فيه على الأخرين وفي الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” وروي عن بعض السلف أنه كان بواسط فجهز سفينة حنطة إلى البصرة وكتب إلى وكيله مع هذا الطعام في يوم تدخل البصرة فلا تؤخره إلى غد، قال فوافق السعر فيه سعة، قال له التجار إن أخرته جمعة ربحت فيه أضعافا فأخره جمعة فربح فيه أمثاله، وكتب إلى صاحبه بذلك فكتب إليه صاحب الطعام يا هذا قد كنا قنعنا أن نربح الثلث مع سلامة ديننا وإنك قد خالفت أمرنا وقد جنيت علينا جناية.

 

فإذا أتاك كتابي فخذ المال كله فتصدّق به على فقراء أهل البصرة وليتني أنجو من الاحتكار كفافا لا عليّ ولا لي، وعن مظفر بن سهل قال سمعت غيلان الخياط يقول اشترى سري السقطي كرّ لوز بستين دينارا وكتب في رونامجه ثلاثة دنانير ربحه، فصار اللوز بتسعين دينارا، فأتاه الدلال فقال له إن ذلك اللوز أريده، فقال خذه، فقال بكم؟ قال بثلاثة وستين دينارا، قال له الدلال إن اللوز قد صار الكرّ بسبعين دينارا، قال له السري قد عقدت بيني وبين الله عقدا لا أحله لست أبيعه إلا بثلاث وستين دينارا، قال له الدلال وأنا قد عقدت بيني وبين الله عقدا لا أحله، أن لا أغش مسلما، لست آخذ منك إلا بسبعين دينارا، قال فلا الدلال اشترى منه ولا سري باعه، وقيل أن رجل من التابعين كان بالبصرة له غلام بالسوس فجهز إليه السكر فكتب إليه الغلام إن قصب السكر قد أصابته آفة في هذه السنة فاشتر السكر.

 

قال فاشترى سكرا كثيرا، فلما جاء وقته ربح فيه ثلاثين ألفا، قال فانصرف بها إلى منزله فأفكر ليله في الربح فقال ربحت ثلاثين ألفا وخسرت نصح رجل من المسلمين، فلما أصبح غدا إلى الرجل الذي كان اشترى منه السكر فدفع إليه الثلاثين ألفا فقال هذه لك بارك الله لك فيها، قال ومن أين صارت؟ قال لما اشتريت منك السكر لم آتي الأمر من وجهه، إن غلامي قد كان كتب إليّ أن قصب السكر أصابته آفة فلم أعلمك ذلك ولعلك لو علمت لم تكن تبيعني، فقال رحمك الله قد أعلمتني الآن، وقد طيبتها لك، قال فرجع إلى منزله فبات تلك الليلة ساهرا أو جعل يتفكر في ذلك ويقول لم آتي الأمر من وجهه ولم أنصح مسلما في بيعه لعله استحيا مني فتركها لي فبكر إليه من الغد فقال عافاك الله خذ مالك فهو أصلح لقلبي، قال فدفع إليه ثلاثين ألفا، وكان مالك بن دينار يمشي في سوق البصرة فرأى التين فاشتهاه.

 

ولم يكن معه نقود فخلع نعله وأعطاه لبائع التين فقال لا يساوي شيئا فأخذ مالك نعله وانصرف فقيل للرجل إنه مالك بن دينار فملأ الرجل طبقا من التين وأعطاه لغلامه ثم قال له ألحق بمالك بن دينار فإن قبله منك فأنت حر فعدا الغلام وراءه فلما أدركه قال له اقبل مني فإن فيه تحريري، فقال مالك إن كان فيه تحريرك فإن فيه تعذيبي، فألح الغلام عليه فقال مالك بن دينار أنا لا أبيع الدين بالتين ولا آكل التين إلى يوم الدين، وإن من الصفات الإسلامية المطلوبه هو الالتزام بالعهود والعقود والوفاء بها، فإن من الأمور والضوابط المرعية التي حثنا عليها الله عز وجل هو الوفاء بالعهود والمواثيق فقال الله تعالي في سورة المؤمنون ” والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون” وكما قال تعالي في سورة الإسراء ” وأوفوا بالعهد ان العهد كان مسئولا” والبيع والشراء عقد والله يقول ” وأشهدوا إذا تبايعتم” وكل ذلك من أجل رفع الحرج، والوفاء بالعقود وعدم الخيانة والخداع في ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى