مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن إسحاق ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن إسحاق ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع الإمام إبن إسحاق، وأقام ابن إسحاق فترة قصيرة في معية العباس بن محمد والي الجزيرة، ثم في سنة مائة واثنين وأربعين من الهجرة، قصد أبو جعفر المنصور في الحيرة، فكتب لولده المهدي كتاب المغازي والسير ما بين أعوام مائة واثنين وأربعين حتي مائة وست وأربعين من الهجرة، وهو في مدينة الري، ثم عاد إلى بغداد بعد أن نزلها أبو جعفر المنصور للمرة الأولى، فأقام فيها إلى وفاته، وفي ذلك قال الحموي وكان محمد بن إسحاق مع العباس بن محمد بالجزيرة، وكان قصد أبا جعفر المنصور بالحيرة، فكتب إليه المغازي، فسمع منه أهل الكوفة لذلك السبب، وسمع منه أهل الجزيرة حين كان مع العباس بن محمد، وأتى الري فسمع من أهلها، فرواته من هذه البلدان أكثر ممن روى عنه أهل المدينة، وأتى بغداد فأقام بها إلى أن مات، وكان عندما غادر ابن إسحاق المدينة.

 

فأتى الكوفة والجزيرة والريّ والحيرة وبغداد، واجتذبه المنصور العباسي، وكلفه تأليف كتاب لولي عهده، ابنه المهدي، فلما أنجزه وجده المنصور مطولا، فقال له اذهب فاختصره، فعاد وقدم السيرة، وهو أول كتاب من كتب رواة التأليف التاريخي انتهت إلينا قطع منه وهو ثلاثة أقسام، وهم المبتدأ وهو تاريخ العصر الجاهلي منذ الخليقة، والمبعث وهو تاريخ النبي صلي الله عليه وسلم حتى السنة الأولى للهجرة، والمغازي حتى وفاة النبي صلي الله عليه وسلم، ولكنه لم تصل النسخة الأصلية من سيرة ابن إسحاق كاملة، وإنما وصل مختصر ابن هشام لها، وكان ابن هشام قد روى السيرة عن أحد تلامذة ابن إسحاق، وهو البكائي، وأخذ على الكتاب قسمه الأول المبتدأ، وطعن فيه، وهو القسم الذي استمد أكثره من وهب بن منبّه، أورد فيه مقتبسات شعرية لا وزن لها، ولم يذكر من أنشده إياها.

 

ولذلك قال عنه محمد بن سلام الجُمحي إنه هجّن الشعر وأفسده، مع أن قصائد كثيرة استشهد بها ابن إسحاق لم تكن مزيفة، وأن قسما كبيرا منها لا يتطرق الشك إلى صحته، وأخذ على هذا القسم أيضا اعتماده على التوراة ونقله عن اليهود والنصارى والمجوس نقلا حرفيا، واصفا إياهم بأنهم أهل العلم من أهل الكتاب الأول، لذلك حذف ابن هشام ما أثبته ابن إسحاق من تاريخ الأنبياء بين آدم وإبراهيم، وأهمل كذلك من فروع إسماعيل الفروع التي لم تكن في أجداد النبي صلي الله عليه وسلم، وقد اعترف بفضل ابن إسحاق في جمع الأحداث وترتيبها وتبويبها، إلا أنه كان قليل الإسناد في القسم الأول من كتابه، كثيره في القسمين الثاني والثالث، ومع ما تم أخذه على ابن إسحاق من اتصاله بالعباسيين، حتى قيل عنه حاباهم في العباس، ومع إمساك بعض العلماء عن الاحتجاج برواياته.

 

فقد وصفه كثيرون بأنه ثقة، وشهدوا بفضله ورووا عنه، وممن روى عنه سفيان بن سعيد الثوري وشعبة بن الحجاج وسفيان بن عيينة ويزيد بن زريع وإبراهيم بن سعد وإسماعيل بن عُليّة ويزيد بن هارون ويعلى ومحمد ابنا عبيد وعبد الله بن نمير وغيرهم، وإن مختصر ابن هشام لسيرة ابن إسحاق ما يزال مرجعا فريدا يعوّل عليه الدارسون، وقد شرحه السهيلي في كتاب الروض الأنف، وقد ذكر ابن النديم كتابا آخر لابن إسحاق عنوانه تاريخ الخلفاء، ويعتبر المؤرخ المسلم محمد بن إسحاق بن يسار هو أول من كتب السيرة النبوية والمنسوبة خطأ لابن هشام ولذلك يذكر ابن هشام في كل عبارة قال محمد بن إسحاق في كتابه سيرة بن هشام، وعن أحمد بن عبد الجبار قال، قال يونس بن بكير كل شيء من حديث ابن إسحاق مسند، فهو أملاه علي، أو قرأه علي، أو حدثني به، وما لم يكن مسندا.

 

فهو قراءة، قرئ على ابن إسحاق، وعند المسلمين إجماع على أن أوائل المصنفين في السيرة محمد بن إسحاق وقد اتفق جمهور العلماء والمحدثين على توثيقه، إلا ما روي عن مالك، وهشام بن عروة بن الزبير من تجريحه، وقد حمل كثير من العلماء المحققين تجريح هذين العالمين الكبيرين له بعداوات شخصية كانت قائمة بينهما وبين ابن إسحاق، وكما اشتهر محمد بن إسحاق باهتمامه البالغ في علم المغازي، حتى كان أول من جمع المغازي في مصنف كامل، وقال فيه الإمام الشافعي رضي الله عنه من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق، وقال ابن عدي لو لم يكن لابن إسحاق من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن الاشتغال بكتب لا يحصل منها شيء، إلى الاشتغال بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه، ومبتدأ الخلق، لكانت هذه فضيلة سبق بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى