مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن رشد ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن رشد ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع الإمام إبن رشد، وأكد ابن رشد على أن الفضيلة لا تتم إلا في المجتمع، وشدد على دور التربية الخلقية، وقد بسط ابن رشد أهم آرائه الأخلاقية من خلال شروحه على الأخلاق إلى نيقوماخوس لأرسطو وجوامع السياسة لأفلاطون وأناط بالمرأة دورا حاسما في رسم ملامح الأجيال القادمة، فألح على ضرورة إصلاح دورها الاجتماعي في إنجاب الأطفال والخدمة المنزلية، وقد قال بعض الباحثين لقد تساءل الفيلسوف ابن رشد في القرن الثاني عشر الميلادي وهو يعاين انطفاء آخر أنوار الحضارة العربية التي سمت في الشرق الأوسط وأسبانيا إلى ذرى شاهقة عما إذا لم يكن هذا الانحطاط يرجع حزئيا على الأقل إلى الوضع الذي حبست فيه المرأة، وإلى انتباذها خارج الحياة الاجتماعية، ولم يتبع ابن رشد الأسلوب الاستقرائي في الفيزياء، والذي طوره البيروني في ظل العالم الإسلامي.

 

بل كانت طريقته أقرب إلى الفيزياء الحديثة منه إلى طريقة البيروني، بل كان كما وصفه مؤرخ العلوم، روث جلاسنر، عالما مفسرا استحدث عدة فرضيات جديدة عن الطبيعة عن طريق مناقشة الكتابات القديمة، ولا سيما تلك التي ألفها أرسطو، ونظرا إلى منهجه وأسلوبه، فقد صوره الكثيرون على أنه مجرد تابع ممتثل لأرسطو وليس مبتكرا أو مجددا، ولكن يرى جلاسنر أن أعمال ابن رشد كانت مهدا لنظريات وأفكار مبتكرة في الفيزياء، ولا سيما شرحه لنظرية أرسطو المعروفة بالطبيعة الصغرى، وكذلك نظرية المواضع المتتالية لوصف الحركة، واللتان تبناهما العالم الغربي وصارت لهما أهمية كبيرة في تطور الفيزياء ككلن وكذلك صاغ ابن رشد تعريفا للقوة على أنها معدل بذل الشغل الذي يؤثر في حركة الجسم المادي وهو تعريف مقارب لمفهوم القدرة في سياق الفيزياء الحديثة.

 

وكما استفاض ابن رشد في شرح أفكاره عن علم النفس من خلال تعليقاته الثلاثة التي عقب فيها عن محاضرة أرسطو بعنوان عن الروح، فقد أبدى اهتماما كبيرا بتفسير ذكاء الإنسان مستخدما الأساليب الفلسفية ومستندا على تفسير أفكار أرسطو، وقد تبدلت مواقفه بصدد هذا الموضوع طوال فترة عمله مع تطور أفكاره، وفي تعليقه القصير، أول أعماله الثلاثة، تتبع ابن رشد نظرية ابن باغة التي تزعم بوجود عقل مادي، يختزن صورا معينة عن جميع الأشياء والمفاهيم التي يصادفها الإنسان، ويسخر العقل الفعال تلك الصور في تأسيس المعرفة الكلية عن هذا المفهوم، وفي تعليقه الأوسط، انتقل ابن رشد في نقاشه إلى أفكار الفارابي وابن سينا، قائلا أن العقل الفعال هو ما يمنح البشر قدرة الفهم بصفة عامة، والتي تعرف بالعقل المادي، ومتى تصادف الإنسان في تجاربه الشخصية بمفهوم معين لفترة كافية، تنشط تلك القدرة.

 

وتمنح صاحبها المعرفة الكلية عن هذا المفهوم وهي فكرة مشابهة تماما لمفهوم الاستقراء في المنطق، وفي تعليقه الأخير وهو أطولهم وأكثرهم إسهابا اقترح هو الآخر نظرية أخرى عرفت باسم نظرية وحدة الفكر واقترح فيها بوجود عقل مادي واحد فقط، وهو لدى جميع البشر بصفة متطابقة، منفصلا عن أجسادهم البشرية، وحتى يتمكن ابن رشد من تفسير أفكار الأفراد المختلفة، لجأ إلى استخدام مفهوم جديد سماه الفكر، وهو عملية تتحقق بداخل أمخاخ البشر تشتمل لا على السعي إلى المعرفة الكلية، بل على التدبر الفعال في الأشياء المعينة التي يصادفها الإنسان، ولاحقا صارت تلك النظرية محل جدل حينما دخلت أول مرة أوروبا المسيحية، ففي عام ألف ومائتان وتسع وعشرين ميلادي، كتب توما الأكويني نقدا مفصلا للنظرية بعنوان عن وحدة العقل دعوى ضد الرشديين.

 

ولإبن رشد كتابه الشهير بداية المجتهد ونهاية المقتصد، كما أن له مؤلفات عدة في أربعة أقسام وهي شروح ومصنفات فلسفية وعملية، وشروح ومصنفات طبية، وكتب فقهية وكلامية، وكتب أدبية ولغوية، لكنه اختص بشرح كل التراث الأرسطي، وقد أحصى جمال الدين العلوي مائة وثماني مؤلفا لابن رشد، وصلنا منها ثماني وخمسين مؤلفا بنصها العربي، كما يصنف محمد عابد الجابري مؤلفات ابن رشد في سبعة أصناف، وهي مؤلفات علمية تشتمل على اجتهادات في مجالات مختلفة كالفقه في كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد والطب في كتاب الكليات في الطب, والردود النقدية كرده على الغزالي في كتب الضميمة وفصل المقال وتهافت التهافت ورده على الأشاعرة في كتاب الكشف عن مناهج الأدلة، والمختصرات التي يدلي فيها ابن رشد بأراء اجتهادية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى