مقال

الدكروري يكتب عن الوفاء والأمة الإسلامية ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الوفاء والأمة الإسلامية ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع الوفاء والأمة الإسلامية، فقام أبو ذر الغفاري بشيبته، وقال يا أمير المؤمنين، أنا أكفله، فقال عمر هو قتل، قال ولو كان قاتلا، قال أتعرفه؟ قال ما أعرفه، قال كيف تكفله؟ قال رأيت فيه سمات المؤمنين فعلمت أنه لا يكذب، وسيفي بعهده إن شاء الله، قال عمر يا أبا ذر، أتظن أنه لو تأخر بعد ثلاث أني تاركك؟ قال الله المستعان يا أمير المؤمنين، فذهب الرجل وأعطاه عمر ثلاث ليالى، يهيئ فيها نفسه، ويودع ‏أطفاله وأهله، وينظر في أمرهم بعده ثم يأتي ليقتص منه؛ لأنه قتل، وبعد ثلاث ليالى لم ينسى عمر الموعد، وفي العصر ‏نادى ‏في المدينة الصلاة جامعة، فجاء الشابان، واجتمع الناس، وأتى أبو ‏ذر ‏وجلس أمام عمر، قال عمر أين الرجل؟ قال ما أدري يا أمير المؤمنين وتلفت أبو ذر إلى الشمس، وكأنها تمر سريعة على غير عادتها، وقبل الغروب بلحظات.

 

إذا بالرجل يأتي، فكبّر عمر وكبّر المسلمون‏ معه، فقال عمر أيها الرجل أما إنك لو بقيت في باديتك ما شعرنا بك ‏وما عرفنا مكانك، قال يا أمير المؤمنين، والله ما عليّ منك ولكن عليّ من الذي يعلم السرّ وأخفى، ها أنا يا أمير المؤمنين، تركت أطفالي كفراخ‏ الطير لا ماء ولا شجر في البادية، وجئت لأقتل، وخشيت أن يقال لقد ذهب الوفاء بالعهد من الناس، فسأل عمر بن الخطاب أبا ذر لماذا ضمنته؟ فقال أبو ذر خشيت أن يقال لقد ذهب الخير من الناس، فوقف عمر وقال للشابين ماذا تريدان؟ قالا وهما يبكيان عفونا عنه يا أمير المؤمنين لصدقه ووفائه بالعهد، وقالوا نخشى أن يقال لقد ذهب العفو من الناس، فقال الفاروق عمر الله أكبر، ودموعه تسيل على لحيته، فالوفاء بالعهد من علامات الصادقين المتقين، ومن صفات الأنبياء، وهو خُلق ملازم لأهل الجنة في حياتهم الدنيا إذ كيف يطمع في الجنة.

 

وصحبة الأنبياء والصادقين والمتقين مَن لم يتخلق بهذا الخلق؟ فليت المسلمين اليوم يتخلقون بهذا كي يفوزوا بخير الدنيا والآخرة، وقيل أنه لم يحضر أنس بن النضر غزوة بدر، فحزن لذلك، ثم قال يا رسول الله، غبت عن أول قتال قاتلت المشركين فيه، ولئن أشهدني الله مع النبي صلى الله عليه وسلم قتال المشركين ليرين ما أصنع، وهكذا أخذ أنس بن النضر عهدا على نفسه بأن يجاهد ويقاتل المشركين، ويستدرك ما فاته من الثواب في بدر، فلما جاءت غزوة أحد انكشف المسلمون، وحدث بين صفوفهم اضطراب، فقال أنس لسعد بن معاذ يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النضر، إني لأجد ريحها من دون أحد، ثم اندفع أنس يقاتل قتالا شديدا حتى استشهد في سبيل الله، ووجد الصحابة به بضعا وثمانين موضعا ما بين ضربة بالسيف أو طعنة بالرمح أو رمية بالسهم.

 

ولم يعرف أحد أنه أنس بن النضر إلا أخته بعلامة في إصبعه” رواه البخارى ومسلم، فكان الصحابة الكرام يرون أن الله قد أنزل فيه وفي إخوانه قوله تعالى فى سورة الأحزاب ” من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا” وإن الوفاء خصلة كريمة من خصال الإسلام، وشعبة عظيمة من شُعب الإيمان، وشيمة كريمة من شيم الرجال حتى في الجاهلية قبل الإسلام، فما ظنكم بدين ركنه وعماده الأخلاق، فما جاء الإسلام إلا ليعلي وليشيد بنيان الأخلاق، وهو قيمة إنسانية وأخلاقية عظمى، بها تدعم الثقة بين الأفراد، وبها تقوى أواصر الترابط التعاون في المجتمع، وبها تحفظ الحقوق وتنجز الأعمال وقد جعل الله الوفاء قواما لصلاح أمور الناس فقال عز وجل فى سورة البقرة ” وأوفوا بعهدى أوف بعهدكم وإياى فارهبون”

 

والوفاء أن يلتزم الإنسان بما عليه من عهود ووعود وواجبات، وقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعهد، فقال جل شأنه فى سورة الإسراء ” وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤلا” وقال تعالى فى سورة النحل “وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم” والوفاء له أنواع كثيرة، وجوانب متعددة ألا وإن من أعظمها الوفاء مع الله تعالى، فبين الإنسان وبين الله سبحانه وتعالى عهد عظيم مقدس و هو أن يعبده وحده لا يشرك به شيئًا، فقال تعالى فى سورة الأعراف ” وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامه إنا كنا عن هذا غافلين” وعليه أن يتجنب خطوات الشيطان واتباع سبيله، فيقول الله عز وجل فى سورة يس ” ألم أعهد إليكم يا بنى آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين” فالإنسان يدرك بفطرته السليمة وعقله أن لهذا الكون إلها واحدا مستحقا للعبادة هو الله سبحانه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى