مقال

الدكروري يكتب عن العمل أساس الحياة ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن العمل أساس الحياة ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

فقد كان نبي الله داود عليه السلام يعمل في صناعة الدروع الحديدية وما شابهها، ومن قصة موسى الكليم عليه السلام في أرض مدين نجد أنه قد وافق أن يكون أجيرا، يعمل ويكد بعرق جبينه وهو من أولى العزم الكبار، وقد عمل جمع من أولى العزم من الأنبياء أيضا في رعي الغنم، وعلى ذلك سارت سنة الأنبياء الكرام يعملون ولا يأنفون، فآدم عليه السلام فلاحا يحرث الأرض ويزرع بنفسه، وكان نبي الله إدريس عليه السلام خياطا، ونبي الله نوح عليه السلام نجارا وخليل الله إبراهيم عليه السلام بناء، وهو الذي بنى الكعبة الشريفة وعاونه في عملية البناء ولده إسماعيل عليه السلام، وكان نبي الله إلياس عليه السلام نساجا، وسيدنا عيسى عليه السلام يعمل بالطب، وكان لصحابة النبي الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد أعمال هم لها في المهن عاملون.

 

فكان الصديق أبو بكر تاجر اقمشة وعمر بن الخطاب دلالا وعثمان بن عفان تاجرا وعلى بن أبي طالب عاملا، وكان عبد الرحمن بن عوف تاجرا والزبير بن العوام خياطا وسعد بن ابى وقاص نبّالا أي يصنع النبال وعمرو بن العاص جزارا وكان ابن مسعود وأبو هريره لديهم مزارع يزرعونها وكان عمار بن ياسر يصنع المكاتل ويضفر الخوص، وهكذا كان أصحاب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لهم صنائع وحرف، وهناك في قلب المجتمعات مهن قد ظهرت واستقرت تدور كلها في دوائر الاستهلاك المحلي ولا تسمن ولا تغني في بناء الأمم وصنع الحضارة مثل المحلات التي تبيع الأدوات الاستهلاكية التي تعد في باب الترفيه، واستشرت السوق الملتهبة بالبيع في طرقات الناس والقطارات، وتزيد أعداد الواقفين لا العاملين في توقيف السيارات واغتصاب الشوارع من بعض الصبية لفرض إتاوات على الناس.

 

والمتأمل يرى في سوق العمل عجبا، أفواج كثيفة متخرجة من التعليم العالي لكنها لا طموح لدى أفرادها في مجال التميز بالعمل المفيد الذي يعود بالتنمية الحقيقية على وطنه وأمته، وإنما يعمل خريج الهندسة في مجال السياحة والمتخرج من الطب بالتجارة وهكذا في دوائر مفرغة لا يجدها المتابعون إلا بين ظهراني أمتنا، ومع أمواج البلاء الجارفة فقد ظهر مع هذا الجيل ظرفاء وهباء ينعتون أنفسهم بأنهم نشطاء، ولسنا ندري أين مكان الدراسة الذي يخرج هؤلاء النشطاء في بلادنا؟ وما هو نشاطهم الحقيقي في مجال العمل ونهضة الأمة؟ وما هم إلا أدوات تعمل لمصالح غريبة مشبوهة عن وطننا وعن ديننا، وظهر كذلك استراق للمناصب والخبرات بإطلاق نعت الخبراء على كثير من المفلسين والسطحيين ومعهم كل من يعمل في صحيفة لا يعرفها أحد ثم يُطلق عليه نعوت الإعلاميين المشهورين.

 

ولا شك فإن سوق العمل في هذه المجالات يتأرجح بين نادر من الصدق وأمواج سخيفة من السطحية والغثاء، وقد ضبط الإسلام الحنيف أخلاق أتباعه في ميدان العمل وفرض عليهم بذل الجهد وإتقان العمل لوجه الله لا لمراءاة الناس، كما فرض الإسلام على أتباعه في مجال العمل عدم الغش للسلعة، ومن أخلاق العمل في الإسلام أن لا يتقاضى رشوة على عمله، وعلى الشاب في بداية حياته أن لا يأنف من أي عمل ما دام مباحا لأنه لو كان في قطر أجنبي لقام بأي مهنة وعدّ نفسه بقبوله فيها من المحظوظين فليفعل ذلك في بلده باختيار حرفة تكفي مطالبه فربما يرفع الله بها شأنه ولو بعد حين وأن يصبر على لأواء البدايات فإنها ليست نزهةً في وقت الأصيل، وهكذا كان سيدنا علي بن ابي طالب رضي الله تعالى عنه بعد هجرته وقد ترك أملاكه في مكة واستوطن المدينة قد لا يجد ما يسد به رمقه.

 

فيقول جُعت بالمدينة جوعا شديدا فخرجت لطلب العمل في عوالي المدينة فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا فظننتها تريد بله فأتيتها فقاطعتها كل ذنوب على تمر فعددت ستة عشر ذنوبا حتى محلت يداي ثم أتيت الماء فصببت منه ثم أتيتها فقلت يكفي هذا فعدت فيها ستة عشرة تمرة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأكل معي منها، فإن الجد في العمل دين وعهدة رحمانية وأمانة محمدية للمؤمنين من بني آدم أودعها الشرع بمحكماته في قلوب وعقول الأمة أفرادا ومجتمعات، ومهما رفعنا بنيان العمل ولو لأزمان قادمة على غير الدين فإننا لن نفلح ولن نتقدم في دروب العاملين خطوة واحدة كما فشلت الجهود في سابق الأزمان، وذلك لأن الدين يربي الضمير والإتقان وإحسان العمل لوجه الله رب العالمين، فإن للأخلاق أهمية بالغة في حياة الإنسان لما لها من أثر كبير في سلوكه وما يصدر عنه من أفعال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى