مقال

الدكروري يكتب عن العمل والأخلاق الإسلامية ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن العمل والأخلاق الإسلامية ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وكما ينبغي أن يتصف العامل بصفة القوة الحسية والمعنوية ليكون مؤهلا للعمل الذي يقوم به، وذلك بأن يتخذ جميع الوسائل والأساليب المشروعة التي تجعله قويا في بدنه وجاهزيته للعمل وقويا في جده واجتهاده وقويا في معلوماته ومهاراته وفي إدراكه لاحتياجات ومتطلبات العمل الذي يرغب في القيام به ليحقق أقصى درجات الخدمة للمنتفعين من هذا العمل ولذا جاء وصف موسى عليه الصلاة والسلام على لسان ابنة الرجل الصالح شعيب بالقوي الأمين، وتختلف محددات القوة ومعاييرها من عمل إلى آخر، وذلك بحسب طبيعة هذا العمل والقدرات الذاتية اللازمة للقيام به، فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والقوة في كل ولاية بحسبها؛ فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب وإلى الخبرة بالحروب، وإلى القدرة على أنواع القتال، والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العمل بالعدل الذي دل عليه الكتاب والسنة.

 

وإلى القدرة على تنفيذ الأحكام، والأمانة ترجع إلى خشية الله، وألا يشتري بآياته ثمنا قليلا، وترك خشية الناس، وكما أن من أهم الأخلاق التي يجب أن يتصف بها العامل هي الأمانه لأنها من الدين، ولثقلها أبت السماوات والأرض والجبال حملها وحملها الإنسان، وجاء في القرآن الكريم ما يؤكد أهمية هذا الخُلق الكريم في العامل في أكثر من موضع، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم مؤكدا على أهمية الأمانة “لا إيمان لمن لا أمانة له” ويقول كذلك “أدي الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك” والأمانة في نظر الإسلام واسعة الدلالة فهي ترمز إلى معاني شتى، مناطها جميعا شعور المرء بتبعته في كل أمر يوكَل إليه، وإدراكه الجازم بأنه مسؤول عنه أمام ربه على النحو الذي فصله الحديث الكريم “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته”

 

وكما أن للأمانة معاني وصور كثيرة، منها أن يحرص العامل على وقت العمل، وأن يستثمره في سرعة إنجاز العمل الموكول إليه، وأداء واجبه كاملا في عمله مصنعا كان أو مزرعة أو متجرا أو مكتبا أو غيره، وعدم إضاعة الوقت وتبديده في الانشغال بأمور لا علاقة لها بالعمل، سواء كان ذلك داخل مقر العمل أو خارجه، ويقتضي ذلك منه أن يرعى حقوق الناس التي وضعت بين يديه فليس أعظم خيانة من رجل تولى أمور الناس فنام عنها حتى أضاعها، وكما أن يجتنب في أداء عمله الغش بكافة أشكاله وصوره، فهو محرم شرعا فيقول النبي صلى الله عليه وسلم “من غشنا فليس منا” وكذلك ألا يستغل موقعه في العمل لجر منفعة شخصية له ولقرابته وصداقته، أو للاستيلاء على المال العام بطرق ملتوية، أو لصرف العهدات المالية ونحوها في غير ما خصصت له، أو للتكسب المادي غير المشروع.

 

كتلقي الهدايا والرشاوى مقابل خدمات وتسهيلات للمهدين أو الراشين، وهنا يقول النبي صلى الله عليه وسلم ” مَن استعملناه على عمل فرزقناه رزقا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول” وفي رواية أخرى يقول النبي صلى الله عليه وسلم ” مَن استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقَه كان غلولا يأتي به يوم القيامة” وعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنه قال استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من بني أسد يقال له ابن الأتبيّة على صدقة، فلما قدم قال هذا لكم وهذا لي، فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال “ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول هذا لك وهذا لي؟ فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر” ثم رفَع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه وقال “ألا هل بلغت ثلاثا”

 

وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي” وكما أيضا إن من الأمانه هو المحافظة على أدوات العمل وأجهزته ومعداته ووسائله، وعدم استخدامها أو تسخيرها لقضاء مصالح شخصية ومنافع ذاتية، للعامل أو لمعارفه وأصدقائه ومن له مصلحة معهم ذلك أن هذه الأدوات والأجهزة والمعدات أمانة عند العامل أيا كان عمله، وسيحاسب يوم القيامة إن فرّط في المحافظة عليها، وأيضا المحافظة على أسرار العمل وكتمانها، فذلك من الأخلاق الحميدة التي حث عليها الإسلام، وجعل لها ثوابا جزيلا وفضلا عظيما عند الله وفي حياة الناس، وهذا الخلق الكريم من أقوى أسباب النجاح، وأدوم لصلاح الأحوال وتحقيق الطموحات، فيقول الماوردي”اعلم أن كتمان الأسرار من أقوى أسباب النجاح، وأدوم لأحوال الصلاح”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى