مقال

الدكروري يكتب عن المزارع المجد ” جزء 5″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن المزارع المجد ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وهل فكر الذين يعملون هذا العمل، ويشجعون عليه أنهم يغرسون بذلك ذلة في النفوس، وحقارة في المتناول، وتحطيما لكرامة أمة يجب أن تقوى فيها روح العزة والطموح، بدل الذل والخمول، إن سبل الصدقات ومصارف الزكاة معلوم أمره في الإسلام، وهو في آية صريحة في القرآن، فما بال هؤلاء يسيرون على ذلك الخط المنحرف؟ ولمصلحة من يا ترى؟ وبأي تعليم أخذوا؟ ليس في الإسلام اتكالية ولا مجال فيه للمتعطلين الكسالى، أو المتعطلين بالوراثة، في الإسلام عمل، ومساواة، وتقدير للكفاءات، وهناك أعمال سيئة تنفي الفلاح عن فاعليها، وصفات تمنع أصحابها من الفلاح، ورأس ذلك الظلم، وأعظم الظلم الشرك، حيث قال تعالي في سورة الأنعام ” ومن أظلم ممن افتري علي الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون” وفي آية أخرى في سورة يونس “إنه لا يفلح المجرمون”

 

وكذلك ظلم البشر بالاعتداء على دمائهم أو أعراضهم أو أموالهم سبب لنفي الفلاح كما قال نبي الله يوسف عليه السلام لما راودته امرأة العزيز كما جاء في سورة يوسف ” معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون” والكذب على الله تعالى بتحليل المحرمات، أو تحريم المباحات، أو إسقاط الواجبات، أو تبديل الشريعة لهوى النفس أو لإرضاء الغير سبب كبير لنفي الفلاح، فقال الله عز وجل في سوة النحل ” ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا علي الله الكذب إن الذين يفترون علي الله الكذب لا يفلحون” وجاء في القرآن الكريم نفي الفلاح عن السحرة، فقال تعالي في سورة طه “ولا يفلح الساحر حيث أتي” وجاء في السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” رواه البخاري، فعلى المؤمن أن يعرف أسباب الفلاح فيأتيها، وأسباب عدم الفلاح فيجتنبها.

 

فإنه فلاح أبدي في نعيم مقيم لا يحول ولا يزول، وكلما ثقلت الموازين بالعمل الصالح تأكد حصول الفلاح، فقال تعالي ” فمن ثقلت موازينة فأولئك هم المفلحون” ولما كانت الزراعة عرضة للإصابة بالآفات مما يجعل الناس يحجمون عنها إلى غيرها، كما يحدث في بعض المجتمعات الإسلامية الآن، وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يواسي من يصاب بذلك، ويحثه على البقاء في عمله حتى لا تختل أوضاع المجتمع، فقال “ما من شيء يصيب زرع أحدكم من العوافي، إلا يكتب له به أجر” وجاء في الأثر أن الفرس اهتموا بحفر الأنهار وغرس الأشجار وعمروا البلاد، فعمروا الأعمار الطوال، رغم ما كان فيهم، فسأل الله نبي من أنبياء زمانهم عن سبب تعميرهم، فأوحى الله إليه أنهم عمروا بلادي، فعاش فيها عبادي، وكان لتلك الأحاديث، وهذه الآثار التي حثت على الزراعة دور كبير في اتخاذ كافة التدابير نحو الاهتمام بالزراعة.

 

اهتماما كَفل لهم توسيع مجالات الرزق، وتحسين الوضع الاقتصادي، خاصة أن المنتجات الزراعية هي المصدر الأول للمواد الغذائية التي يعتمد عليها الناس في معاشهم، كما أنها تقدم أهم المواد الأولية في الصناعة، فالقطن والكتان من أهم المواد في المنسوجات التي يلبسها الناس، والأخشاب ضرورية للبناء، ولصنع كثير من الأثاث، ثم إن كثيرا من الأصباغ والعطور والأدوية تعتمد على المنتجات الزراعية، كما أنها مما يضمن للإنسان طعامه، ويتحمل إصره، ويتكفل عبئه لسد رمقه، وأن الأمة مهما تقدمت في الإنتاج الصناعي، وعظم شأنها، فكثر مالها وتضاعف يسارها، لا تزال تبقى عالة على غيرها إذا لم تكفل أرض بلادها قوتها، كما تظل مجحفة الجوع، دائمة الخضوع لأعدائها، وقد فهم الصحابة والمسلمون الأوائل ذلك وكانوا خير سلف فانطلقوا مطبقين لتعاليم الإسلام، التي تحث على الزراعة.

 

رغم مشاغل بعضهم الجسيمة واستغنائهم، فهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول وقد سُئل أتغرس بعد الكبر؟ فقال لأن توافيني الساعة وأنا من المصلحين خير من أن توافيني وأنا من المفسدين، وقيل لأبي الدرداء وهو يغرس جوزة أتغرس وأنت شيخ، ولا تطعم إلا بعد عشرين سنة؟ فقال لا عليّ بعد أن يكون الأجر لي، وهذا عبدالرحمن بن عوف رغم غناه كان يمسك المسحاة بيده، ويحول بها الماء، وطلحة بن عبيدالله كان أول من زرع القمح في مزرعته بالمدينة، وكان يزرع على عشرين ناضحا، وينتج ما يكفي أهله بالمدينة سنتهم، حتى استغنوا عما يستورد من بلاد الشام، وكان أبو هريرة رضي الله عنه يرى المروءة في تلك الأفعال، فقد سئل مرة ما المروءة، فقال تقوى الله وإصلاح الضيعة، وقد ازداد اهتمام المسلمين بالزراعة بعد أن اتسعت رقعة الدولة الإسلامية واستقرت أمورها، ويسروا كل السبل لامتلاك الأراضي وتعميرها وزرعها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى