مقال

الدكروري يكتب عن الإمام فخر الدين الرازي ” جزء 7″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام فخر الدين الرازي ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ورد هجمات الخطإ وهم قوم من الترك الكفار، خرجوا من أطراف الصين وتمركزوا فيما وراء النهر، وقد استنجد بهم بعض سلاطين وأمراء المسلمين، وقاومتا التتار لبعض الوقت، وقد حلتا محل الدولة الغورية، والدولة السلجوقية في فارس أما الدولة الأيوبية فقد حلت محل الدولة السلجوقية في غرب فارس، لما ضعفت وعجزت عن رد الحملات الصليبية في الشرق الأوسط، كما قاومت الدولة الموحدية الحملات الصليبية في شمال أفريقيا والأندلس، وقد حلت محل ثلات دول وهم الدولة الفاطمية والدولة الحمادية والدولة المرابطية، والملاحظ أن القرن السادس الهجري شهد تحولات كبيرة في جميع الميادين، من أهمها بداية اضمحلال الخلافة العباسية، بتفككها إلى دول صغيرة كثيرة، تعمل كل دولة على السيطرة على جميع نواحي الحياة في إقليمها، وكان هذا الوضع سببا في ظهور بوادر الفساد والتخلف في شؤون الحياة الاجتماعية.

 

ما عدا الحركة الفكرية والعلمية، فقد تواصلت بفضل وجود علماء كبار في هذا العصر، واستقلال المدارس التعليمية عن السلطة السياسية، ولقد كتب لهذه الحركة أن تواصل مسارها بثبات، وأن تعوض النكوص الذي أصاب جسم الأمة الإسلامية، ومن المعلوم أن المرض عندما يصيب الجسم لا يؤدي في الحين إلى التأثير في العقل إلا بعد انهيار الجسم، لذلك يتميز عصر الرازي بضعف الخلافة العباسية، ويرجع هذا الضعف والاضمحلال إلى أسباب كثيرة، منها التناحر على السلطة، واستنزاف طاقات كبيرة بين الخلافتين العباسية والفاطمية من أجل السيطرة على العالم الإسلامي والانفراد بالحكم وقيادته، ومنها أيضا هو التعارض بين السلطة واتساع الرقعة الجغرافية لدولة الخلافة، لأن الخليفة يضطر إلى تعيين ولاة على البلاد البعيدة، وإلى أن يمنحهم سلطات عسكرية ودينية إلى جانب السلطة المدنية.

 

فيغري ذلك هؤلاء الولاة بالانفصال والاستقلال، وقد حصل ذلك للخلافتين أكثر من مرة، وأدى هذا التصرف إلى الانحطاط السياسي ثم الحضاري، وكان هذا حال القرن السادس الهجري، حيث انهارت الخلافتان العباسية والفاطمية أمام سلاطين الأقاليم، وعلى الخصوص في الفترات التي كان فيها الخليفة ليس حاكما عظيما، لأن عظمة الدولة من عظمة الرجل الذي يقودها، ومن الشواهد التاريخية على قيام حروب بين الخلفاء والسلاطين، الحرب التي وقعت سنة خمسمائة وتسع وعشرين من الهجرة، بين الخليفة المسترشد بالله والذي توفي في نفس السنة، والسلطان مسعود السلجوقي، والحرب التي نشبت في السنة التالية أي سنة خمسمائة وثلاثين من الهجرة، بين الخليفة الراشد وعسكر السلطان مسعود، وقد ذكر المؤرخون حروبا كثيرة من هذا النوع، طوال القرن السادس الهجري، حين تجرأ فيها السلاطين على الخلفاء.

 

لا سياسيا وعسكريا فحسب بل حتى دينيا، إذ كانوا يطلبون الخطبة لأنفسهم ويسلبونهم رموز الخلافة، منها سلب السلطان سنجر، بردة النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم والقضيب من الخليفة المسترشد بالله، ثم أعادها إلى الخليفة المقتفي لأمر الله، في سنة خمسمائة وخمس وثلاثين من الهجرة، وهذه الظاهرة تدل على ضعف الخلافة وتصدعها ولما كثرت الإمارات والملوك كثرت الفتن، وتأججت الرغبات في التناحر على السلطة، وأحيانا بالاستعانة بالكفار، وذلك مذكور ومشهور في كتب التاريخ، مثل فتنة جماعة أصحاب الخلفاء العلويين بمصر، الذين أرادوا الوثوب على صلاح الدين الأيوبي باستدعاء الإفرنج من صقلية ومن ساحل الشام إلى مصر مقابل مال وبلاد، وأما قدوم التتار إلى بلاد المسلمين، فيقول ابن الأثير أن الخليفة الناصر لدين الله، راسل التتار يطمعهم في البلاد، وتلك هي الطامة الكبرى.

 

هذا وكانت البلاد الإسلامية مسرحا للحروب الصليبية طوال هذا القرن، وقد أدت هذه الحروب إلى مزيد من الضعف للخلافة، وإلى العجز الكلي أحيانا عن المقاومة والدفاع عن البلاد الواسعة التي طرقتها الحملات الصليبية، وغزوات أقوام من كل ناحية، ولا سيما خروج التتار في العشرية الثانية من القرن السابع الهجري، وبالتحديد في سنة ستمائة وسبعة عشر من الهجرة، إلى بلاد الإسلام، كما تدهورت الحياة الاجتماعية في القرن السادس الهجري بسبب الفساد السياسي الذي استنزف القدرات الاجتماعية والمادية والمعنوية، كما يرجع الأمر إلى الفتن المختلفة وإلى الأزمات الاقتصادية وانتشار الأوبئة، وهذه العوامل كلها ساهمت في تدمير البنيات الاجتماعية المادية والمعنوية التي كانت من مقومات القوة والنماء، لذلك خربت المدن وانقطعت الطرق وانتشرت السرقة، ولم تسلم منها حتى قوافل الحجاج، حيث يغار عليها جهارا نهارا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى