مقال

الدكروري يكتب عن الإمام فخر الدين الرازي ” جزء 3″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام فخر الدين الرازي ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وإن من أشد الانتقادات التي وجهت للرازي هي كتابته عن علم السحر والطلاسم وتصنيفه فيه، وهذا ما اعتبره منتقدوه مخالفا للشرع، واتهموه بالردة عن الإسلام والدعوة إلى عبادة الأوثان ويقول ابن تيمية من العجب أن يذكر الرازي عن أبي معشر ما يذمّ به عبادة الأوثان، وهو الذي اتخذ أبا معشر أحد الأئمة الذين اقتدى بهم في الأمر بعبادة الأوثان، لما ارتد عن دين الإسلام، وأمر بالإشراك بالله تعالى وعبادة الشمس والقمر والكواكب والأوثان، في كتابه الذي سماه السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم، ويدافع آخرون عن اشتغال الرازي بالسحر بأنه لا يوجد دليل صريح على أنه يدعو إلى عبادة غير الله، ويقول الرازي نفسه في هذه المسألة بجواز تعلم السحر إذ يقول في تفسيره العلم بالسحر غير قبيح ولا محظور اتفق المحققون على ذلك لأن العلم لذاته شريف.

 

وأيضا لعموم قوله تعالى “هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون” ولأن السحر لو لم يكن يعلم لما أمكن الفرق بينه وبين المعجز، والعلم بكون المعجز معجزا واجب وما يتوقف الواجب عليه فهو واجب فهذا يقتضي أن يكون تحصيل العلم بالسحر واجبا وما يكون واجبا كيف يكون حراما وقبيحا، أما عن تصنيفه لكتاب السر المكتوم في مخاطبة النجوم، وكتاب الاختيارات العلائية في الاختبارات السمائية، فليس في ذلك بأس عندهم فإنه قد صنفهم على وجه إظهار ما في السحر من الفساد، لا على سبيل الاعتقاد إذ أن الرازي تبرأ مما ذكر فيهم، يقول تاج الدين السبكي في طبقاته عن فخر الدين الرازي، هو إمام المتكلمين، ذو الباع الواسع في تعليق العلوم، والاجتماع بالشاسع من حقائق المنطوق والمفهوم، والارتفاع قدرا على الرفاق، وهل يجري من الأقدار إلا الأمر المحتوم؟ بحر ليس للبحر ما عنده من الجواهر.

 

وحبر سما على السماء، وأين للسماء مثل ما له من الزواهر؟ وروضة علم تستقل الرياض نفسها أن تحاكي ما لديه من الأزاهر انتظمت بقدره العظيم عقود الملة الإسلامية، وابتسمت بدره النظيم ثغور الثغور المحمدية، تنوع في المباحث وفنونها، وترفع فلم يرض إلا بنكت تسحر ببيونها، وأتى بجنات طلعها هضيم، وكلمات يقسم الدهر أن الملحد بعدها لا يقدر أن يضيم. وله شعار أوى الأشعري من سننه إلى ركن شديد، واعتزل المعتزلي علما أنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، وخاض من العلوم في بحار عميقة، وراض النفس في دفع أهل البدع وسلوك الطريقة، أما الكلام فكل ساكت خلفه، وكيف لا وهو الإمام، رد على طوائف المبتدعة، وهد قواعدهم، وأما علوم الحكماء، فلقد تدرع بجلبابها، وتلفع بأثوابها، وتسرع في طلبها حتى دخل من كل أبوابها، وأما الشرعيات تفسيرا.

 

وفقها وأصولا وغيرها، فكان بحرا لا يجارى وبدرا، إلا أن هداه يشرق نهارا، ولقد أجاد ابن عنين، حيث يقول فيه ماتت به بدع تمادى عمرها دهرا وكاد ظلامها لا ينجلي وعلا به الإسلام أرفع هضبة ورسا سواه في الحضيض الأسفل، واشتهرت مصنفاته في الآفاق، وأقبل الناس على الاشتغال بها، ورفضوا كتب المتقدمين، وأقام بهراة، وكان يلقب بها شيخ الإسلام، وكان كثير الإزراء بالكرامية، فقيل إنهم وضعوا عليه من سقاه سما، فمات، وكان خوارزمشاه يأتي إليه، وكان إذا ركب يمشي حوله نحو ثلاث مائة نفس من الفقهاء وغيرهم، وكان شديد الحرص جدا في العلوم، وأصحابه أكثر الخلق تعظيما له، وتأدبا معه، له عندهم المهابة الوافرة، وأما كتاب السر المكتوم في مخاطبة النجوم، فلم يصح أنه له بل قيل إنه مختلق عليه واعلم أن الشيخ الذهبي ذكر الإمام الرازي في كتاب الميزان، في الضعفاء، وكتبت أنا على كتابه حاشية.

 

مضمونها أنه ليس لذكره في هذا المكان معنى، ولا يجوز من وجوه عدة، أعلاها أنه ثقة حبر من أحبار الأمة، وأدناها أنه لا رواية له، فذكره في كتب الرواة مجرد فضول، وتعصب وتحامل تقشعر منه الجلود إلى أن قال واعلم أن هذه الجملة من كلام الإمام دالة على مراقبته طول وقته، ومحاسبته لنفسه، رضي الله عنه، وقبح من يسبه، أو يذكره بسوء حسدا وبغيا من عند نفسه، ودافع عنه سعيد فودة دفاعا قويا في كتابه الكاشف الصغير عن عقائد ابن تيمية فقال ابن تيمية الذي ظهر في النصف الثاني من القرن السابع وتوفي في الرابع الأول من القرن الثامن، كان واحدا من الذين حملوا لواء التجسيم ودافع عنه متسترا تحت راية الكتاب والسنة وأقوال الصحابة ليستجلب قلوب العوام إلى هذا المذهب كما سترى في هذا الكتاب وقد كان المجسمة بكافة طوائفهم وفرقهم ما زالوا لا يستطيعون النهوض من آثار الضربات القوية والمتلاحقة التي كالها الإمام فخر الدين الرازي لمذهبهم ومشايخهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى