مقال

الدكروري يكتب عن الزراعة وحياة البشرية ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الزراعة وحياة البشرية ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وقد وردت عدة آيات قرآنية وأحاديث نبوية ونصوص فقهية تحث كلها على الانشغال بالزراعة والغراسة، وتبين فضلها ومكانتها في الشريعة الإسلامية التي أتت لخير الدارين، والتي دعت إلى التوازن بين مطالب الروح ورغبات الجسم في وسطية يتميز بها ا لنظام الاقتصادي الإسلامي، ومن تلك الآيات ماورد في سورة عبس وفيه لفت الأنظار إلى نعمة الله بإعداد الأرض للزراعة بواسطة نزول المطر، فيقول تعالي “فلينظر الإنسان إلى طعامه إنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم” ولاشك أن الزراعة والغراسة يمثل كل منهما في عصرنا الحاضر إحدى الركائز الاقتصادية لأي شعب يطمح في الازدهار الاقتصادي، وزيادة الدخل الوطني، والاكتفاء الغذائي الذاتي، ومن ذلك الأيات قوله تعالى في سورة يس.

 

“وأية لهم الآرض ا لميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه ياكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون لياكلوا من ثمرة وماعملته أيديهم أفلا تشكرون” وقال شيخ الإسلام ابن كثير ” والزراعة هي من المظاهر الدالة على وجود الصائع وقدرته التامة وإحيائه الموتى، والأرض الميتة” أي كانت هامدة ميتة لاشيء فيها من النبات، فإذا أنزل الله تعالى عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، ولهذا قال تعالى ” أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه ياكلون” أي جعلنا رزقا لهم ولأنعامهم، وقال ” وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون لياكلوا من ثمرة وما عملته أيديهم” أي جعلنا فيها أنهارا سارحة في أمكنة يحتاجون إليها، ولما أمتن الله عز وجل على خلقه بإيجاد الزروع لهم عطف بذكر الثمار وتنوعها وأصنافها، وماذلك كله إلا من رحمة الله تعالى بهم لابسعيهم ولابكدهم.

 

ولا بحولهم وقوتهم فتكون كلمة ما في قوله “وما عملته أيديهم” للنفي، ولهذا قال تعالى “أفلا تشكرون” أي فهلا يشكرونه على ماأنعم به عليهم من هذه النعم التي لاتعد ولاتحصى، وجزم ابن جرير بأن لفظ ما هو اسم موصول بمعنى الذي تقديره “لياكلوا من ثمرة ومما عملته أيديهم” أي غرسوه ونصبوه، قال وهي كذلك في قراءة ابن مسعود رضي الله عنه “لياكلوا من ثمرة ومما عملته أيديهم أفلا تشكرون” ومن الأيات التي ذكر الله بها عباده، ولفت أنظارهم إلى نعمة الأرض وتسخيرها لهم بإعدادها للزراعة قوله تعالى في سورة الملك ” وهو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور” فقال ابن كثير “يذكر الله نعمته على خلقه في تسخيره لهم الأرض وتذليلها لهم، بأن جعلها قارة ساكنة لاتميد ولاتضطرب بما جعل فيها من الجبال، أنبع فيها من العيون، وسلك فيها من السبل.

 

وهيأ فيها من المنافع ومواضع الزروع والثمار، ولهذا يجب المشي والسفر في أقطارها، والتردد في ارجائها في انواع المكاسب والتجارات، بحثا وسعيا في طلب الرزق، إلا أن هذا البحث والسعي لاينفع إلا أن ييسره الله لكم، ولهذا قال تعالى “وكلوا من رزقه وإليه النشور” فالسعي واتخاد السبب لاينافي التوكل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا” رواه أحمد والترميذي وابن ماجة والنسائي عن عمر بن الخطاب، فأثبت لها رواحا وغدوا لطلب الرزق مع توكلها على الله عز وجل وهو المسخر المسير المسبب، وإلى الله النهاية المرجع يوم القيامة، أما القرطبي فقد قال في تفسير هذه الآية “هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا” أي سهلة تستقرون عليها، والذلول المنقاد الذي يذل لك، والمصدر هو الذل، وهو اللين والانقياد.

 

أي لم يجعل الأرض بحيث يمتنع المشي فيها بالحزونة والغلظة، وقيل أي ثبتها بالجبال ليلا تزول بأهلها، وقيل أشار إلى التمكن من الزرع والغرس وشق العيون والأنهار وحفر الآبار، ونعمة تسخير الله الأرض للإنسان يجب أن يقابل بالشكر، وذلك بالمحافظة عليها، والمحافظة عليها تكون بعدم تلوثها وإتلاف منافعها حتى تظل كما أرادها الخالق صالحة للاستغلال والانتفاع، فقال تعالى في سورة الأعراف “ولاتفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، ولما كانت الزراعة عرضة للإصابة بالآفات، مما يجعل الناس يحجمون عنها إلى غيرها، كما يحدث في بعض المجتمعات الإسلامية الآن، وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يواسي من يصاب بذلك، ويحثه على البقاء في عمله، حتى لا تختل أوضاع المجتمع، فقال ” ما من شيئ يصيب زرع أحدكم من العوافي إلا كتب الله به أجرا” رواه الطبراني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى