مقال

الدكروري يكتب عن الزراعة وحياة البشرية ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الزراعة وحياة البشرية ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ولقد فهم الصحابة والمسلمون الأوائل اهمية الزراعة وكانوا خير سلف فانطلقوا مطبقين لتعاليم الإسلام، التي تحث على الزراعة، رغم مشاغل بعضهم الجسيمة واستغنائهم، فهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول وقد سُئل أتغرس بعد الكبر؟ فقال لأن توافيني الساعة وأنا من المصلحين خير من أن توافيني وأنا من المفسدين، وقيل لأبي الدرداء وهو يغرس جوزة أتغرس وأنت شيخ، ولا تطعم إلا بعد عشرين سنة؟ فقال لا عليّ بعد أن يكون الأجر لي، وهذا عبدالرحمن بن عوف رغم غناه كان يمسك المسحاة بيده، ويحول بها الماء، وطلحة بن عبيد الله كان أول من زرع القمح في مزرعته بالمدينة، وكان يزرع على عشرين ناضحا، وينتج ما يكفي أهله بالمدينة سنة كاملة، حتى استغنوا عما يستورد من بلاد الشام، وكان أبو هريرة رضي الله عنه يرى المروءة في تلك الأفعال، فقد سئل مرة ما المروءة؟

 

فقال تقوى الله وإصلاح الضيعة، وازداد اهتمام المسلمين بالزراعة بعد أن اتسعت رقعة الدولة الإسلامية واستقرت أمورها، ويسروا كل السبل لامتلاك الأراضي وتعميرها وزرعها عملا بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم فقال “من أحيا أرضا ميتا فهي له” رواه أحمد، وكما أضحى الاهتمام بالزراعة من واجب الأمراء والحكام، وليس الأفراد فحسب وذلك لأن هؤلاء الأمراء كانوا يدركون تماما العلاقة بين الازدهار الزراعي، وزيادة الخراج الذي يعد أهم مصادر بيت المال، كما كانوا يدركون تماما العلاقة القوية بين حالة الزرع وبين الوارد، واهتموا بإصلاح وسائل الري وتنظيفها، وبنوا السدود وشقوا القنوات والأنهار التي لا يحصى عددها واقاموا الجسور والقناطر، وهذا الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه يكتب إلى عامله عبد الملك بن عمير “لا تضربن رجلا سوطا في جباية درهم.

 

ولا تبيعن لهم رزقا، ولا كسوة شتاء، ولا صيف ولا دابة ولا تقيمن رجلا في طلب درهم، فقال عبد الملك يا أمير المؤمنين، إذن أرجع إليك كما ذهبت من عندك، فقال وإن رجعت كما ذهبت، ويحك إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو، وكما جاء رجل الى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال ياأمير المؤمنين اتيت ارضا قد خربت وعجز عنها اهلها فكرست انهارا وزرعتها، فقال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه “كل هنيئا وانت مصلح غير مفسد، معمر غير مخرب” وكان الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يقول لعماله “ليكن نظركم في عمارة الارض ابلغ من نظركم في استجلاب الخراج، والزراعة عمارة” وقد سلك كثير من خلفاء المسلمين وامرائهم نهج الخلفاء الراشدين في توجيه عنايتهم واهتمامهم الى عمارة الارض واستصلاحها، وأمروا ببناء السدود وحفر الترع.

 

فهذا هو الخليفة العادل الراشد عمر بن عبد العزيز يقوم بتقديم القروض الحسنة للعاملين في الارض ولو كانوا من أهل الذمة لما في ذلك من مصلحة للمسلمين وذلك عندما كتب الى واليه عبد الحميد بن عبد الرحمن الذي بعث اليه يستشيره بشأن التصرف في فضول بيت المال قال “أنظر من كانت عليه جزية فضعف عن أرضه فأسلفه ما يقوى به على عمل أرضه فإنا لانحتاجهم لعام ولا لعامين” وهناك أحاديث أخرى تشجع على الزراعة وإحياء الأرض الغير الصالحة، من ذلك الحديث الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم “من كانت له أرض فليزرعها، فإن لم يستطع وعجز عنها فليمنحها آخاه المسلم ولايؤاجرها إياه” رواه مسلم، وكما رواه البخاري بلفظ آخر “من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها آخاه فإن أبى فليمسك أرضه” وفي رواية مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

 

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ماأكل منه له صدقة، وما سرق له منه صدقة، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة” يرزؤه أي ينقصه، وفي حديث آخر ” ما من امرىء يحيي أرضا فيشرب منها ذو كبد حرى أو تصيب منها عافية إلا كتب الله بها أجرا” والعافية هنا كل طالب رزق من إنسان أو بهيمة أو طائر، فالشارع يقول للزراع عن لك من وراء منفعتك الخاصة الحاصلة من إحياء الأرض، منفعة عليك، وهي الأجر والثواب على ما تتناوله الطيور من ماء أرضك وثمارها، وإن كنت أنت أحيانا تكره ذلك ولاتريده، أي يكون لك الأجر بغير اختيارك، ولاينبغي أن يستغرب من ذلك، فقد روى البخاري ومسلم وأحمد والطيالسي من طريق جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “للغارس والغارس أجر في كل مايصيبه الناس والطير من ثماره”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى