مقال

الدكروري يكتب عن الزراعة وحياة البشرية ” جزء 6″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الزراعة وحياة البشرية ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وقد وردت عدة آيات قرآنية وأحاديث نبوية ونصوص فقهية تحث كلها على الانشغال بالزراعة والغراسة، وتبين فضلها ومكانتها في الشريعة الإسلامية التي أتت لخير الدارين، والتي دعت إلى التوازن بين مطالب الروح ورغبات الجسم في وسطية يتميز بها النظام الاقتصادي الإسلامي، ولايخفى أن زيادة الانتاج الفلاحي وجودته إنما تكون باختيار التربة الصالحة لأي نوع من الإنتاج، وذلك يتوقف على تحليل التربة بالوسائل العلمية واستعمال الأذوية لحفظ الثمار والنباتات من الآفات التي تمنع إنتاجها، كل ذلك مطلوب لتكميل عملية الزرع والغرس حتى يسلم الإنتاج ويتضاعف المحصول، فينتفع الناس بذلك على أكمل وجه وأحسنه، ويجازي الله بفضله الزارعين والغارسين بقدر كثرة إنتاجهم وجودته، فقد روى الإمامان البخار ي ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “لايزرع مسلم زرعا غرسا فياكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة”

 

وفي حديث آخر “ما من رجل يغرس غرسا إلا كتب الله من الأجر قدر مايخرج من ثمر ذلك الغرس” وهذا فضل كبير للغارسين والفلاحين، فهم يجنون أولا مختلف أنواع الإنتاج الفلاحي، وثانيا يكون لهم الجزاء ألأوفى في الأخرة، حيث يثيبهم الله من فضله على مابذلوه من جهد، وعلى ماساهموا به من رفع للمحصول الفلاحي، وكذا على مساهمتهم في الازدهار الاقتصادي وزيادة الدخل الوطني والاكتفاء الغذائي الذاتي، فينتفعون دنيا وأخرى، وإذا كانت الزراعة بهذه المثابة وعلى هذه الحالة فينبغي بل تتعين المعرفة بلسان العلم في محاولتها، لأن بصلاح القوت يصلح القلب ويصفى الباطن، وقد ورد “أن من أكل الحلال أربعين يوما نور الله وجهه وأرى ينابيع الحكمة من قلبه” وقال الرسول صلى الله عليه وسلم “طلب الحلال فريضة على كل مسلم بعد الفريضة” أي بعد فريضة الإيمان والصلاة.

 

وقال “من بات تعبان من طلب الحلال بات مغفورا له، وأصبح والله راض عنه” وإن هذه الزراعة إنما تفعل مع وجود السلامة في الدين والعرض والمال، وأما مع ضدها فتركها متعين ويشتغل بغيرها، لأن آفاتها في هذا الزمان قد عظمت، وأما الغراسة فهي أخف من الزراعة لما فيها من سلامة أهلها غالبا من الذل والإهانة، لكن لابد فيها من العلم بها والعلم فيها، فالأول معرفة مايتعلق بها من الأحكام، وقال الشيخ الحافظ النووي أنه اختلف في اطيب الكسب فقيل، التجارة، وقيل الصناعة باليد، وقيل الزراعو وهو الصحيح، إذا كان يتولى ذلك بنفسه لما فيها من كونها عمل اليد، ولما فيها من التوكل، ولما فيها من النفع العام، ولأنه لابد في الغالب أن يوكل منها بغير عوض، وفي الحديث “ماأكل أحد طعاما قط أحل من كسب يده” وإن الأرض التي جعلها الشرع الاسلامي لمن أحياها تشجيعا للزراعة والعمران هي الأرض غير الصالحة بتاتا.

 

وأما الصالحة بالأصالة فليست بالموت، ولاتحيي بالزرع وحده، أو تحجر بأعمال صورية بسيطة، وإنما الإحياء المطلوب يكون بالخلق والإبداع، ويتم باختفا ر العيون والآبار، وإجراء المياه في القنوات، وإيجاد تربة صالحة للتشجير والسقي، ثم مايتبع ذلك من مصالح البناء، وقد أشار القرآن الكريم إلى إحياء الأرض بالماء فقال تعالى في سورة فضلت “ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير” والأرض الخاشعة هي اليابسة، وقال ابن آدم “إحياء الأرض أن يستخرج منها عينا أو قليبا أو يسوق إليها الماء، وهي أرض لم تزرع ولم تكن في يد أحد قبله يزرعها أو يستخرجها حتى تصلح الزرع” وقال ابن حزم “الإحياء هو قلع مافيها من عشب أو شجر أو نبات بنية الإحياء لابنية أخذ العشب والاحتطاب فقط.

 

أو جلب ماء إليها من نهر أو عين أو حفر بئر لسقيها منه أو حرثها أو غرسها أو تزبيلها أو مايقوم مقام التزبيل من نقل تراب إليها أو رماد وهكذا، وإن من شرط الإحياء هو أن يقع في الإطار الذي حدده الشرع الاسلامي، وإذا وقع على يد الأخرين يعتبر باطلا ويسمى بالعرق الظالم، وفيه يروي الترمذي وابن آدم والبخاري معلقا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من أحيى أرضا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق” كما قال ابن آدم في تفسيره، قال هشام “العرق الظالم أن يأتي ملك غيره فيخفر فيه” وقد روى البخاري ومسلم والإمام أحمد والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال”من اقتطع شبر أرض ظلما طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين” كما روى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لعن الله من غير تخوم الأرض” وأمام هذا النهي الصارخ يكون على الذين يقتطعون ويغيرون الحدود سواء حدود الأملاك أو حدود الدول أن يستعدوا لوعيد الله ورسوله”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى