مقال

الدكروري يكتب عن الإمام البيضاوي ” جزء 1″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام البيضاوي ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الإمام البيضاوي هو عبد الله بن عمر البيضاوي، وهو أحد علماء أهل السنة والجماعة، وهو فقيه وأصولي شافعي، ومتكلم ومحدث ومفسر ونحوي، وكان الإمام البيضاوي إماما بارعا مصنفا، مبرزا نظارا خيرا صالحا متعبدا، فقيها أصوليا متكلما مفسرا محدثا أديبا نحويا مفتيا قاضيا، فريد عصره، ووحيد دهره، أثنى على علمه وفضله غير واحد، وهو قاضي قضاة شيراز وعالم أذربيجان ونواحيها وتصدى سنين طويلة للفتيا والتدريس، وبرع في الفقه والأصول وجمع بين المعقول والمنقول، وتكلم كل من الأئمة بالثناء على مصنفاته التي تشهد له برسوخ القدم وعلو الكعب وانتفع به الناس وبتصانيفه، وولي قضاء شيراز وقابل الأحكام الشرعية بالاحترام والاحتراز ثم صرف عن القضاء، فرحل إلى تبريز حتى توفي فيها، وهو الإمام القاضي المفسر ناصر الدين أبو سعيد أو أبو الخير عبد الله بن أبي القاسم عمر بن محمد بن أبي الحسن علي البيضاوي الشيرازي الشافعي.

 

ولد في المدينة البيضاء بفارس وإليها نسبته، قرب شيراز، ولا تعلم سنة ولادته تحديدا والغالب أن مولده أوائل القرن السابع الهجري، وتتلمذ الإمام البيضاوي على جملة كبيرة من الشيوخ، منهم والده الإمام أبو القاسم عمر بن محمد بن علي البيضاوي، المتوفي عام ستمائة وخمس وسبعين من الهجرة، وأخذ عنه الفقه على مذهب الشافعي، وكان من الأئمة وتولى القضاء بشيراز، وقام بالتدريس والحديث وجمع بين العلم والتقوى، وقد تأثر به البيضاوي كثيرا وكان يشير إلى أقواله في ثنايا كتبه، ومن شيوحه أيضا هو الشيخ محمد بن محمد الكحتائي الصوفي، وقد صحبه البيضاوي وأخذ عنه الطريق واقتدى به في الزهد والعبادة، وأيضا الشيخ شرف الدين عمر البوشكاني الزكي المتوفي عام ستمائة وثمانين من الهجرة، وكان من أكابر العلماء العاملين، وهو علامة في جملة من الفنون، وكان الإمام البيضاوي عين تلامذته، ولما توفي رثاه البيضاوي بقصيدة طويلة.

 

كانت مكتوبة على مرقده، ومن مواقفه ما أخبر به الإمام التاج السبكي في طبقاته أنه لما صرف الإمام البيضاوي عن قضاء شيراز رحل إلى تبريز وصادف دخوله إليها مجلس درس، فجلس في أخريات القوم بحيث لم يعلم به أحد، فذكر المدرس مسألة وزعم أن أحدا من الحاضرين لا يقدر على جوابها وطلب من القوم حلها والجواب عنها فإن لم يقدروا فالحل فقط فإن لم يقدروا فإعادتها، فشرع البيضاوي في الجواب، فقال لا أسمع حتى أعلم أنك فهمت فخيره بين إعادتها بلفظها أو معناها، فبهت المدرس، فقال أعدها بلفظها، فأعادها ثم حلها ووضح أن في ترتيبه إياها خللا، ثم أجاب عنها وقابلها في الحال بمثلها ودعى المدرس إلى حلها فتعذر عليه ذلك، وكان الوزير حاضرا، فأقامه من مجلسه وأدناه إلى جانبه وسأله من أنت؟ فأخبره أنه البيضاوي وأنه جاء في طلب القضاء بشيراز، فأكرمه وخلع عليه خلعة القضاء في يومه ورده مكرما بعد أن قضى له حاجته.

 

وقد أخذ عن الإمام البيضاوي من لا يحصى كثرة من التلامذة، عرف منهم الشيخ الإمام فخر الدين أبو المكارم أحمد بن الحسن الجاربردي، وقد شرح المنهاج في أصول الفقه لشيخه، وتصريف ابن الحاجب وله حواش مشهورة على الكشاف، والشيخ كمال الدين أبو القاسم عمر بن إلياس بن يونس المراغي أبو القاسم الصوفي، وقرأ عليه المنهاج والغاية القصوى والطوالع، والشيخ جمال الدين محمد بن أبي بكر بن محمد المقرئ، وكان صاحب تصانيف فائقة، والشيخ روح الدين بن الشيخ جلال الدين الطيار، والقاضي رزين الدين علي بن روزبها بن محمد الخنجي، وكان عالما ورعا صالحا جمع بين المعقول والمنقول وصنف في الفروع والأصول وشرح كتاب الغاية القصوى لشيخه، والقاضي روح الدين أبو المعالي، وشرح كتاب الغاية القصوى كذلك، وأيضا تاج الدين الهندي، وقد امتاز الإمام البيضاوي بتصانيفه البديعة المشهورة والتي تنوعت فنونها.

 

منها التفسير المسمى بأنوار التنزيل وأسرار التأويل، واشتهر وبهر وتلقاه العلماء بالقبول، وذاع ذكره في سائر الأقطار وسار مسير الشمس في رابعة النهار، واشتغل به العلماء إقراء وتدريسا وشرحا، وظل يدرس بالأزهر وغيره من معاهد العلم قرونا عديدة، وهو كتاب عظيم الشأن غني عن البيان لخص فيه من الكشاف ما يتعلق بالإعراب والمعاني والبيان، ومن التفسير الكبير ما يتعلق بالحكمة والكلام، ومن تفسير الراغب ما يتعلق بالاشتقاق وغوامض الحقائق ولطائف الإشارات، وضم إليه ما رواه زناد فكره من الوجوه المعقولة والتصرفات المقبولة، فكان تفسيره يحتوي فنونا من العلم وعرة المسالك وأنواعا من القواعد مختلفة الطرائق، ثم إن هذا الكتاب رزق من عند الله سبحانه وتعالى بحسن القبول عند جمهور الأفاضل والفحول فعكفوا عليه بالدرس والتحشية فمنهم من علق تعليقة على سورة منه، ومنهم من كتب على بعض مواضع منه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى