مقال

الدكروري يكتب عن التجارة ما بين الحلال والحرام ” جزء 1″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن التجارة ما بين الحلال والحرام ” جزء 1″

بقلم / محمــــد الدكـــروري

 

إن التجارة مصدر مهم من مصادر الرزق، يعالجها جل الناس الذين هم بين بائع أو مشتري، فوجب أن تضبط بأخلاق الشرع، وتحاط بعناية التراضي والصدق والورع، فيقول الله تعالى” يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم” ويقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم “رحم الله رجلا سمحا إذا باع “أى بمعنى سهلا لينا” وإذا اشترى، وإذا اقتضى ” أى بمعنى طلب الذي له على غيره” رواه البخارى، فإن معظم تجارتنا اليوم قد غزاها الغش من كل مكان، وأحاط بها المكر من كل جهة، واكتسحها الخداع والتزوير والتحايل إلا من رحم الله، حتى صار المشترى يفترض السوء فى البائع، وأنه يجب أن يكون على قدر كبير من الفطنة واليقظة، حتى لا يقع في شباك الغش التجارى، الذى جعله ابن حجر في كتابه “الزواجر عن اقتراف الكبائر” كبيرة من الكبائر، لأنه يدل على ضعف في الشيء واستعجال فيه”

 

كما قال ابن فارس، ولأنه “نقيض النصح، وهو مأخوذ من الغشش، وهو المشرب الكدر” وكما قال ابن منظور، وعن ابن عمر رضى الله عنه قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام وقد حسّنه صاحبه، فأدخل يده فيه، فإذا طعام رديء، فقال “بع هذا على حدة، وهذا على حدة، فمن غشنا فليس منا” رواه أحمد، وها نحن نرى اليوم بعض بائعي الخضر، أو الفواكه، أو الحبوب، يزينون ظاهر أكياس السلعة، ويجعلون الرديء في الأسفل، ويقول أنس بن مالك رضي الله عنه خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السوق، فرأى طعاما مصبرا أى عبارة عن كومة، فأدخل يده، فأخرج طعاما رطبا قد أصابته السماء، فقال لصاحبها “ما حملك على هذا؟” قال “والذي بعثك بالحق، إنه لطعام واحد” قال “أفلا عزلت الرطب على حدته، واليابس على حدته، فيبتاعون ما يعرفون، من غشنا فليس منا” رواه الطبرانى، فكم من الناس يخلطون الجيد بالرديء.

 

ويقنعون المشترى بأن الكل جيد، فيحصلون أموالا اختلط فيها الحلال بالحرام، ولا يبالون، وقد يعرف حالهم بعض الناس، فلا ينصحون لهم، ولا يحذرون منهم، فعن أبي سباع رضي الله عنه قال اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسقع، فلما خرجت بها أدركنى يجر إزاره فقال اشتريت؟ قلت “نعم” قال أبين لك ما فيها؟ قلت وما فيها؟ قال إنها لسمينة ظاهرة الصحة، أردت بها سفرا أو أردت بها لحما؟ قلت أردت بها الحج، قال فارتجعها، فقال صاحبها ما أردت إلى هذا أصلحك الله، تفسد عليّ؟ قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “لا يحل لأحد يبيع شيئا إلا بين ما فيه، ولا يحل لمن علم ذلك إلا بينه” رواه الحاكم، وأيضا من عجائب المعاملات الصادقة، ما رواه الطبرانى، أن جرير بن عبد الله البجلى رضى الله عنه أمر مولاه أن يشترى له فرسا، فاشترى له فرسا بثلاثمائة درهم، وجاء به وبصاحبه لينقده الثمن.

 

فقال جرير لصاحب الفرس “فرسك خير من ثلاثمائة درهم، أتبيعه بأربعمائة درهم؟ قال ذلك إليك يا أبا عبد الله، فقال فرسك خير من ذلك، أتبيعه بخمسمائة درهم؟ ثم لم يزل يزيده مائة فمائة، إلى أن بلغ ثمانمائة، فاشتراه بها، فقيل له في ذلك فقال “إني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم” وإن من مظاهر البيع والشراء عندنا هو كثرة الحلف بحق وبغير حق، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيأتي بعده قوم”يشهدون ولا يُستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويحلفون ولا يُستحلفون ” متفق عليه، ومن خطير الوعيد قول النبي صلى الله عليه وسلم “ثلاثة لا ينظر الله إليهم غدا، شيخ زان، ورجل اتخذ الأيمان بضاعة يحلف في كل حق وباطل، وفقير مختال يزهو” رواه الطبرانى، فكم من التجار يحلفون إن سلعتهم من النوع الرفيع دون أن يسألهم المشتري، ما يريد إلا تزيين سلعته؟

 

وبعضهم يحلف إنه أعطي من الثمن كذا وكذا وهو كاذب، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم “ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، رجل حلف على سلعة لقد أعطى بها أكثر مما أعطي وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم، ورجل منع فضل ماء، فيقول الله اليوم أمنعك فضلى كما منعت فضل ما لم تعمل يداك” رواه البخارى، فالحلف وإن تحصّل من ورائه مال كثير، غير أنه ممحوق البركة لا خير فيه، كما قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” الحلف منفقة السلعة، ممحقة للكسب” متفق عليه، وفى رواية أبى داود قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” ممحفة البركة” وبعض البائعين يحلف إنه لن يبيعها بثمن كذا، ثم هو يبيعها، ولا يدري أنه بعمله هذا قد جعل آخرته في خطر، فعن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه قال مر أعرابى بشاة، فقلت “تبيعها بثلاثة دراهم؟ فقال “لا والله” ثم باعها، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال”باع آخرته بدنياه”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى