مقال

الدكروري يكتب عن الإمام ابن العريف ” جزء 1″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام ابن العريف ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ابن العريف هو الإمام الزاهد العارف أبو العباس بن العريف الصنهاجي الأندلسي المريي المقرئ ، صاحب المقامات والإشارات، وهو عالم وشاعر، من أهل الأندلس، وهو من شعراء الأندلس وهو أحمد بن محمد بن موسى الصنهاجي الأندلسي المري ولقبه هو أبو العباس، والمري نسبة إلى المرية في الأندلس، والضهاجي نسبة إلى قبيلة صنهاجة، وقبيلته بربرية، ولكن لغته هي اللغة العربيه، وأصوله عربية، وإن كانت شهرته كأحد أقطاب الصوفية أكثر من شهرته كشاعر وقيل أنه ارتبطت الصوفية بالشعر إلى درجة وصلت بها أنها عملة واحدة ذات وجهين، وجه منها هو الفكر والوجه الآخر هو الشعر، فإنه لا يوجد لأي مفكر صوفي كتابا يخلو من الشعر سواء للمفكر نفسه أو لأحد الصوفيين الشعراء، وينحدر كما هو واضح من نسبه من قبيلة صنهاجة وبالضبط من مدينة طنجة الموطن الأصلي لوالده، الذي انتقل منها إلى الأندلس.

 

واستوطن مدينة المرية التي كانت فـي ذلك الوقت تحت حكم أسرة بني صمادح حيث انخرط في سلك شرطتهاعلى عهد أميرها المعتصم باالله عام ربعمائة وأربع وثمانين من الهجرة، وهناك بالمرية ولد ابن العريف في حدود سنة ربعمائة وواحد وثمانين من الهجرة، بينما يذكر الذهبي أنه ولد في سنة ربعمائة وخمس وثمانين من الهجرة، وولد الإمام ابن العريف في أواخر النصف الثاني من القرن الخامس الهجري، الموافق الحادي عشر الميلادي في مرحلة انتقالية عرفتها الأندلس، وتميزت بانتقال سدة الحكم إلى المرابطين، الذين دعموا وجودهم بالمنطقة خاصة بعد الانتصارات الساحقة التي حققوها ضد الممالك النصرانية في الشمال، كموقعة الزلاقة وغيرها، ثم ما كان من توحيدهم للأندلس بعد القضاء على ممالك الطوائف ومن بينها حكم بني صمادح، وهذا ما سيكون له أثره السيء في تنشئة ابن العريف، إذ يبدو أن والده قد أصابته فاقة.

 

بعد انهيار ملك أصحاب نعمته، اضطرته إلى إرسال ولده إلى حائك ليتعلم الحياكة،على الرغم من معارضة هذا الأخير، الذي أظهر ميلا شديدا إلى طلب العلم، لهذا لجأ إلى الهرب للتخلص من قيود والده، قاصدا مجالس العلم المنتشرة بالمرية، يستمع إلى القرآن والحديث واللغة، ويقرأ الكتب المختلفة التي ألفت فيها، وفي هذا يقول ابن الآبار “نشأ ابنه هذا وقد مسته الحاجة فدفعه في صغره إلى حائك يعلمه وأبا هو إلا تعلم القرآن وتعلق الكتب، فكان ينهاه ويخوفه، ودار له معه ما كان يتلفه إلى أن تركه” وما يفهم من هذا النص أن الوالد وأمام تعنت الابن وإصراره تركه لشأنه وهنا وجد ابن العريف أن الفرصة المواتية للتحصيل والتدريس قد أتته بعيدا عن أي ضغوطات، بعد ذلك كرس جهده وفكره في طلب العلم، إذ تنقل في حواضر الأندلس المختلفة ينهل من علم شيوخها، كما كال يستغل فرصة مرور العباد والعلماء بمدينته.

 

على اعتبار أنها نقطة العبور لباقي أنحاء الأندلس للاستزادة من علمهم، ويترأس قائمة شيوخه علمين أندلسيين هما أبو الحسن علي بن محمد البرجي والمحدث أبو علي الصدفي، إضافة إلى أسماء أخرى أندلسية كأبي معتصم خالد يزيد مولى المعتصم وغيرهم، فأخذ عن هؤلاء القرآن الكريم وتعلم القراءات وسماع الحديث وجمع الروايات واللغة، إلا أن الشيء الملاحظ أنه لم يغادر الأندلس كما فعل بعض أقرانه على الرغم أن الرحلة إلى المشرق في ذلك الوقت للسماع ولقاء الشيوخ كانت تقليدا درج عليها من سبقه وحتي معاصروه، وبعد أن نال مختلف المعارف وأحس أنه وصل إلى مرحلة العطاء، دخل مرحلته العملية حيث أقرأ بسرقسطة ثم بالمرية، كما ولي الحسبة ببلنسية، أي أن نشاطه العملي لم يقتصر على مدينة المرية بل تعداها إلى غيرها من المدن، وتجدر الإشارة هنا أن ابن العريف إضافة إلى معارفه السابقة كان شاعرا.

 

فنظم وأجاد خاصة في الشعر الروحي، فجاء نسيج عصره من المعارف المختلفة، إضافة إلى ذلك غلب عليه الزهد والورع، فقد اعتبره ابن صعد أحد الرجال الأولياء الأفراد المتسمين من سمات العلم والعمل باعلى درجات الزهاد، فاجتمعت له بذلك كل المؤهلات التي جعلته قبلة للطلبة والمريدين الذين التفوا حوله ينهلون العلم، كما قصده العباد والزهاد وكان العباد وأهل الزهد يألفونه ويحمدون صحبته، وأمام هذه الحشود الكبيرة من الأتباع والطلبة علا اسم ابن العريف في سماء الأندلس الشيء الذي لم يسر بعض الفقهاء، التي كانت ترى فيه منافسا خطيرا لها، إذ كان على رأس معارضيه قاضي المرية ابن الأسود الذي يبدو أنه أوغر صدر الأمير على بن يوسـف ضده وكان ذلك عام خمسمائة من الهجرة، مما اضطر الأمير بن يوسف إلى الأمر بالقبض على ابن العريف وإرساله إلى مراكش مع بعض أتباعه وهناك بمراكش تراجع الأمير المرابطي عن قراره حينما رآى عظم مقام بن العريف فأطلق سراحه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى