مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الحلاج ” جزء 2″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الحلاج ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وكان في حبس السلطان بسعاية وقعت به، وذلك في وزارة علي بن عيسى الأولى وذكر عنه ضروب من الزندقة ووضع الحيل على تضليل الناس من جهات تشبه الشعوذة وسحر وادعاء النبوة، فكشفه علي بن عيسى عند قبضه عليه وانتهى خبره إلى السلطان ويعني الخليفة العباسي المقتدر بالله، فلم يقر بما رمي به من ذلك فعاقبه وصلبه حيا أياما متوالية في رحبة الجسر في كل يوم غدوة وينادى عليه بما ذكر عنه ثم ينزل به ثم يحبس فأقام في الحبس سنين كثيرة ينقل من حبس إلى حبس حتى سجن في النهاية بدار السلطان، فاستغوى جماعة من غلمان السلطان وموه عليهم واستمالهم بضروب من حيله حتى صاروا يحمونه ويدفعون عنه ويرفهونه، ثم راسل جماعة من الكتاب وغيرهم ببغداد وغيرها فاستجابوا له، وتراقى به الأمر حتى ذكر أنه ادعى الربوبية وسعي بجماعة من أصحابه إلى السلطان فقبض عليهم ووجد عند بعضهم.

 

كتبا تدل على تصديق ما ذكر عنه، وأقر بعضهم بلسانه بذلك وانتشر خبره وتكلم الناس في قتله، فأمر أمير المؤمنين بتسليمه إلى حامد بن العباس وأمر أن يكشفه بحضرة القضاة والعلماء ويجمع بينه وبين أصحابه فجرى في ذلك خطوب طوال ثم استيقن السلطان أمره ووقف على ما ذكر له عنه، فأمر بقتله وإحراقه بالنار، فأحضر مجلس الشرطة بالجانب الغربي يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلاثمائة فضرب بالسياط نحوا من ألف سوط وقطعت يداه ورجلاه وضربت عنقه وأحرقت جثته بالنار ونصب رأسه للناس على سور الجسر الجديد وعلقت يداه ورجلاه إلى جانب رأسه، ويذكر مصطفى جواد أنه بعد حرق جثته تم دفن ما تبقى منها في القبر المعروف في بغداد، ونشأ الحسين الحلاج في واسط ثم دخل بغداد وتردد إلى مكة واعتكف بالحرم فترة طويلة، وأظهر للناس تجلدا وتصبرا على مكاره النفوس، من الجوع والتعرض للشمس والبرد.

 

وكان الحلاج يظهر للغوغاء متلونا لا يثبت على حال، إذ يرونه تارة بزي الفقراء والزهاد وتارة بزي الأغنياء والوزراء وتارة بزي الأجناد والعمال، وقد طاف البلدان ودخل المدن الكبيرة وانتقل من مكان لآخر داعيا على طريقته، فكان له أتباع في الهند وفي خراسان، وفي بغداد وفي البصرة، وقد اتهمه مؤرخو أهل السنة بأنه كان مخدوما من الجن والشياطين وله حيل مشهورة في خداع الناس ذكرها ابن الجوزي وغيره، وكانوا يرون أن الحلاج يتلون مع كل طائفة حتى يستميل قلوبهم، وهو مع كل قوم على مذهبهم، إن كانوا أهل سنة أو شيعة أو معتزلة أو صوفية أو حتى فساقا، واكتفى بعضهم بتكفيره بالاعتماد على ما قيل على لسانه من أقوال أو أشعار، بينما سعى بعضهم إلى تبرئته بالزعم بأن ما قيل على لسانه لا أساس له من الصحة وأنه كلام مدسوس عليه أما أتباعه فإنهم يقدسون أقواله ويؤكدون نسبتها إليه.

 

ولكنهم يقولون إن لها معاني باطنة غير المعاني الظاهرة، وأن هذه المعاني لا يفهمها سواهم بينما جنح المستشرقون إلى تفسيرات أخرى وجعلوا منه بطلا ثوريا شبيها بأساطير الغربيين، وعند الشيعة ذكره الطوسي في كتاب الغيبة في المذمومين الذين ادعوا النيابة البابية، وقال عنه عبد القادر الجيلاني حين سُئل عن الحلاج قال عثر الحلاج ولم يكن في زمانه من يأخذ بيده، ولو أدركته لأخذت بيده، وقال عنه أبو الحسن الشاذلي أكره من العلماء تكفير الحلاج، ومن فهم مقاصده فهم مقصدي، وقال الخطيب البغدادي والصوفية مختلفون فيه فأكثرهم نفى أن يكون الحلاج منهم وأبى أن يعده فيهم، وقبله من متقدميهم أبو العباس بن عطاء البغدادي ومحمد بن خفيف الشيرازي وابراهيم بن محمد النصراباذي النيسابوري وصححوا له حاله ودونوا كلامه حتى قال ابن خفيف الحسين بن منصور عالم رباني، وقال ابن كثير لم يزل الناس منذ قتل الحلاج مختلفين في أمره.

 

فأما الفقهاء فحكي عن غير واحد من الأئمة إجماعهم على قتله وأنه كان كافرا ممخرقا مموها مشعبذا، وكذلك قول أكثر الصوفية منهم، ومنهم طائفة كما تقدم أجملوا القول فيه وغرهم ظاهره ولم يطلعوا على باطنه، وقد كان في ابتداء أمره فيه تعبد وتأله وسلوك، ولكن لم يكن له علم يسلك به في عبادته، فدخل عليه الداخل بسبب ذلك، كما قال بعض السلف من عبد الله بغير علم كان ما يفسده أكثر مما يصلحه، وعن سفيان بن عيينة أنه قال من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى ولهذا دخل على الحلاج باب الحلول والاتحاد فصار من أهل الانحلال والإلحاد، وقال الخطيب وحدثني مسعود بن ناصر أنبأنا ابن باكويه الشيرازي، سمعت أبا زرعة الطبري يقول الناس فيه يعني حسين بن منصور بين قبول ورد، ولكن سمعت محمد بن يحيى الرازي، يقول سمعت عمرو بن عثمان يلعنه.

 

ويقول لو قدرت عليه لقتلته بيدي، فقلت أيش الذي وجد الشيخ عليه؟ قال قرأت آية من كتاب الله، فقال يمكنني أن أؤلف مثله وأتكلم به، وقال أبو زرعة الطبري وسمعت أبا يعقوب الأقطع يقول زوجت ابنتي من الحسين بن منصور لما رأيت من حسن طريقته واجتهاده، فبان لي بعد مدة يسيرة أنه ساحر محتال خبيث كافر، وقد جمع العلماء أخباره في كتب كثيرة أرخوها الذين كانوا في زمنه والذين نقلوا عنهم مثل أبي علي الحطي ذكره في تاريخ بغداد والحافظ أبو بكر الخطيب ذكر له ترجمة كبيرة في تاريخ بغداد وأبو يوسف القزويني صنف مجلدا في أخباره وأبو الفرج بن الجوزي له فيه مصنف سماه رفع اللجاج في أخبار الحلاج، وبسط ذكره في تاريخه أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية أن كثيرا من المشايخ ذموه وأنكروا عليه ولم يعدوه من مشايخ الطريق وأكثرهم حط عليه وممن ذمه وحط عليه أبو القاسم الجنيد ولم يقتل في حياة الجنيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى