مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الحلاج ” جزء 4″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الحلاج ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وقد قال يوما لرجل آمن بي حتى أبعث لك بعصفورة تأخذ من ذرقها وزن حبة فتضعه على كذا وكذا رطلا من نحاس، فيصير ذهبا، فقال له الرجل آمن بي أنت حتى أبعث إليك بفيل إذا استلقى على قفاه بلغت قوائمه السماء وإذا أردت أن تخفيه وضعته في إحدى عينيك، قال فبهت وسكت، ولما ورد بغداد جعل يدعو إلى نفسه ويظهر أشياء من المخاريق وغيرها من الأحوال الشيطانية وأكثر ما كان يروج على الرافضة فاستدعى يوما رئيسا من الرافضة فدعاه إلى الإيمان به، فقال له الرجل إني رجل أحب النساء وإني أصلع الرأس وقد شبت فإن أنت أذهبت عني هذا وهذا آمنت أنك الإمام المعصوم، وإن شئت قلت أنك نبي وإن شئت قلت أنك أنت الله، قال فبهت الحلاج ولم يحر إليه جوابا، ولما أقام بالأهواز جعل ينفق من دراهم يخرجها يسميها دراهم القدرة، فسئل الشيخ أبو علي الجبائي عن ذلك، فقال إن هذا كله مما ينال بالحيلة ولكن أدخلوه بيتا لا منفذ له.

 

ثم سلوه أن يخرج لكم جوزتين من شوك فلما بلغ الحلاج كلام أبي علي الجبائي تحول من الأهواز، وكان من مخاريقه أنه بعث بعض أصحابه إلى مكان في البرية يخبئ فيه شيئا من الفاكهة والحلوى ثم يجيء بجماعة من أهل الدنيا إلى قريب من ذلك المكان فيقول لهم ما تشتهون أن آتيكم به من هذه البرية ؟ فيشتهي أحدهم فاكهة أو حلاوة فيقول امكثوا، ثم يذهب إلى ذلك المكان ويأتي بما خبأ أو ببعضه فيظن الحاضرون أن هذه كرامة له، وكان صاحب سيما وشياطين تخدمه أحيانا كانوا معه على جبل أبي قبيس فطلبوا منه حلاوة فذهب إلى مكان قريب منهم وجاء بصحن حلوى فكشفوا الأمر فوجدوا ذلك قد سرق من دكان حلاوي باليمن حمله شيطان من تلك البقعة، ومثل هذا يحصل كثيرا لغير الحلاج ممن له حال شيطاني فكل من خرج عن الكتاب والسنة وكان له حال من مكاشفة أو تأثير فإنه صاحب حال نفساني أو شيطاني، وإن لم يكن له حال بل هو يتشبه بأصحاب الأحوال.

 

فهو صاحب حال بهتاني، وعامة أصحاب الأحوال الشيطانية يجمعون بين الحال الشيطاني والحال البهتاني كما قال تعالى “هل أنبئكم على من تنزل الشياطين، تنزل على كل أفاك أثيم” والحلاج كان من أئمة هؤلاء أهل الحال الشيطاني والحال البهتاني وهؤلاء طوائف كثيرة، فأئمة هؤلاء هم شيوخ المشركين الذين يعبدون الأصنام مثل الكهان والسحرة الذين كانوا للعرب المشركين، ومثل الكهان الذين هم بأرض الهند والترك وغيرهم، فالحلاج كان من الدجاجلة بلا ريب ولكن إذا قيل هل تاب قبل الموت أم لا ؟ قال الله أعلم ; فلا يقول ما ليس له به علم ولكن ظهر عنه من الأقوال والأعمال ما أوجب كفره وقتله باتفاق المسلمين والله أعلم به، وهكذا كان الحسين بن منصور الحلاج فارسي الأصل من بلدة البيضاء التي ينسب إليها المفسر البيضاوي، وولد الحلاج في منتصف القرن الثالث الهجري ونشأ بالعراق، وتم قتلة في سنة ثلاثمائة وتسعة هجرية.

 

وفي سن مبكرة جدا، و هو بعد غلام في السادسة عشرة من عمره، اتصل بالصوفية، ولبس حرفتهم، وتتلمذ على يد أعلامهم كالجنيد، وسهل التستري وغيرهم ثم أصبح له هو نفسه مع مرور الأيام مريدون كثيرون، كان يعبر عنهم في قصائد بقوله أصحابي وخلاني، ولم يلبث الخلاف أن بدأ ينشب بين الحلاج وبين أعلام الصوفية في عصره، فقد كانوا هم يبيتون أمرهم على كتم مشاعرهم ووجدهم وأفكارهم وأسرارهم، وكانوا يؤثرون العزلة على الناس، تاركين أمر تدبير الخلق لله، أما هو فقد تملكته نشوة التعبير، فجهر بأفكاره وإحساساته في الأسواق ولعامة الناس، كما تملكته نزعة إصلاحية، حملته أخيرا على أن يطرح خرقة الصوفية، وأن يكثر من التنقل في البلاد، يلقى الناس، ويسمع منهم، ويتحدث إليهم بكلام مفهوم حينا وغير مفهوم في كثير من الأحيان، ولكنهم على كل حال افتتنوا به افتتانا كبيرا، جعل البعض منهم يرفعه عن أن يكون إنسانا عاديا.

 

إلى حد أنهم عندما قتل، لبثوا ينتظرون أوبته زاعمين أن أعداءه لم يقتلوه هو بعينه، وإنما شبه لهم، وكان الحلاج في تجواله في البلاد، وفي تطوافه في الأسواق، وفي لقائه الناس، ينتقد الأوضاع السائدة في عصره، فأوغر ذلك عليه الصدور، ودُبرت له المكيدة، وحُوكم محاكمة صورية سريعة بتهمة الزندقة والإلحاد، وصدر الحكم في شأنه بالإعدام، وتم قتله شر قتلة، وعندما أحس الحلاج بالخطر، خاطب قضاته بقوله ظهري حمي، ودمي حرام، وما يحل لكم أن تتهموني بما يخالف عقيدتي ومذهبي السنة، ولي كتب في الوراقين تدل على سنتي، فالله الله في دمي، ولعل هذه كانت من المرات القلائل التي تكلم فيها الحلاج بكلام واضح مفهوم، ولكن ذلك لم يغني عنه شيئا فقد جلد ألف سوط، وقطعت يداه ورجلاه، وأحرقت جثته، ورمي برمادها في نهر الفرات وتم تعليق رأسه بباب الكرخ، وكان الحلاج على الأرجح من أصل فارسي على الرغم من أن البعض قالوا بخلاف ذلك.

 

وقد كانت المنطقة الجنوبية الغربية من بلاد فارس أيام خضوعها للدولة العباسية لا تزال تدين بالزارادشتية وتعتنق ثقافتها على الرغم من انتشار اعتناق الإسلام آنذاك، فكان جد الحلاج زارادشتيا واعتنق والده الإسلام، وكان والده حرفيا في إحدى المناطق التي كانت قد اعتنقت الإسلام حديثا خارج منطقة البادية، وهكذا فقد يكون الحلاج نشأ على اللغة العربية، في حين لم يكن بعض معاصريه من المتصوفين الفرس معتادين على اللغة الجديدة، على الرغم من أن الكثيرين من عائلته اعتنقوا الإسلام، إلا أن البعض بقوا على الزارادشتية، وقد كانت والدته عربية من الحارثية وفق بعض المصادر، وكان الحلاج مسلما سنيا، وكان له صديقان من المسلمين الشيعة في البيضاء، كان والده يعمل في حلج القطن فسمي بالحلاج، وهي مهنة كان الابن يمتهنها من وقت لآخر، وتنقل منصور إلى المدن الشهيرة بصناعة الأقمشة مثل الأحواز وتستر واستقر به المقام في واسط جنوبي العراق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى