مقال

الدكروري يكتب عن المقصد الشرعي من شعيرة الحج ” جزء 6″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المقصد الشرعي من شعيرة الحج ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

فقال ابن رشد واختلفوا إذا رماها قبل الزوال في أيام التشريق، فقال جمهور العلماء من رماها قبل الزوال أعاد رميها بعد الزوال، وروى عن أبي جعفر محمد بن علي انه قال رمي الجمار من طول الشمس إلى غروبها ويقول الزركشي الحنبلي وشرط صحة الرمي في الجميع أن يكون بعد الزوال على المشهور، والمختار للأصحاب من الروايتين، وأما عن المجيزون للرمي قبل الزوال في أيام التشريق الثلاثة، فقد ذهب أبو حنيفة في إحدى رواياته إلى جواز الرمي قبل الزوال في اليوم الأول، والثاني، وذهب في رواية أخرى إلى انه إذا نفر في اليوم الثاني لمن تعجل او الثالث لمن تأخر يجوز له أن يرمي قبل الزوال، وجعل بعض الحنفية هذه الرواية من الروايات غير المشهورة، وبالتالي فالمعتمد عندهم هو عدم جواز الرمي قبل الزوال في حين جعل بعضهم هذه الرواية من الروايات المعتمدة، جاء في إرشاد السارى.

 

ذكر الحاكم في المنتقى عن الإمام، أي أبي حنيفة انه لو أراد النفر في اليوم الثالث قبل الزوال، جاز له أن يرمي، كذا في المبسوط وكثير من المعتبرات، وهي رواية عن أبي يوسف، كذا في شرح الطحاوي، وعلى هذه الرواية عمل الناس اليوم، وفيها رحمة من الزحمة، ويظهر ان المراد بما قبل الزوال على كل من الروايتين من طلوع الفجر، لأنه أول النهار، وروي عن أبي يوسف القول بجواز الرمي قبل الزوال في اليوم الثالث من أيام العيد لمن أراد النفر قبل الزوال، وممن ذهب إلى جواز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق الثلاثة إمام الحرمين والحاكم أبو الفتح الارعيناني صاحب الفتاوى كما ذكره الشاشي، والرافعي، واعتمده الاسنوي حيث أجازوا الرمي من الفجر، وعبر الشرواني عن هذا القول بأنه من قبيل مقابل الأصح، لا الصحيح، ومن المعروف ان مقابل الأصح هو الصحيح، ومقابل الصحيح الضعيف، وهذا يعني أن هذا القول ليس ضعيفا.

 

ويقول الإمام الرافعي بخصوص تدارك رمي يوم في اليوم الآخر وانه أداء على الأصح إن قلنا أداء فجملة أيام منى في حكم الوقت الواحد، وكل يوم للقدر المأمور فيه وقت اختيار كأوقات الاختيار للصلوات، ويجوز تقديم رمي يوم التدارك على الزوال، وانه لا دم عليه، ثم قال ونقل الإمام أن على هذا القول لا يمتنع تقديم رمي يوم إلى يوم لكن يجوز أن يقال إن وقته يتسع، وذهب إلى هذا القول أيضا من الحنابلة العلامة ابن الجوزي، جاء في الفروع وجوزه أي الرمي قبل الزوال في اليوم الحادي عشر قبل الزوال، وفي الواضح بطلوع الشمس، وكذلك ابن الزاغوني في منسكه نقل عنه انه يجيز رمي الجمار أيام منى، ورمي جمرة العقبة يوم النحر قبل الزوال، وبعض الصحابة والتابعين يرون ذلك، فقد روى الحافظ ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح على مسلم عن ابن أبي مليكه قال “رمقت ابن عباس رماها عند الظهيرة قبل أن تزول”

 

فهؤلاء العلماء العظام الذين ذكرناهم قد ذهبوا إلى جواز الرمي قبل الزوال من بعد بعد غروب شمس يوم عرفة لجمرة العقبة الكبري وبعضهم من بعد منتصف الليل و كذا طلوع الشمس، وبعضهم من طلوع الفجر، وكفى بهم من حيث الاعتماد على أقوالهم في ظل عدم وجود نص صريح ثابت، وفي ضوء ذلك نحتاج إلى أن نمارس أنواعا جديدة من العبادات الغائبة أو المنسية، أو المسكوت عنها في أيام الخير هذه، كما نسارع إلى الصوم وصلاة النافلة، والإكثار من ذكر الله وقراءة القرآن، وترديد الاستغفار، والتكبير المطلق، نحتاج معها كذلك إلى أن نمارس عبادات الحب والمصالحة، والاعتذار والبر والصلة، فهذه عبادات لا شك فيها كون بعضها داخلا في مفهوم التوبة، والبعض الآخر عبادة في ذاته، كالحب في الله، وصلة الأرحام، وبِر الوالدين، ونحن في حاجة إلى أن نشعر ذواتنا وأهلنا أننا نحبهم في ذات الله بالكلمة الطيبة التي هي صدقة.

 

والبسمة في الوجه التي هي صدقة، واللقمة في فم الزوجة التي هي صدقة، وتعزيز شعور الابن والابنة بالثقة في الذات الذي هو إحسان، وبر الوالدين، وزيارة في الله، وصلة قريب، وعيادة مريض، ومسح على رأس يتيم، وإفشاء سلام، وإهداء هدية، أليست كل هذه عبادات تحتاج في هذه الأيام إلى إحياء؟ أليست هذه عبادات إيجابية تنطلق من روح سامية، وتصنع حولها جوا من التسامح والرضا، يؤدي إلى الإصلاح المنشود؟ فلتكن هذه وصيتنا في هذه الأيام وأن نجتهد في العبادة وعلى رأسها عبادة التوبة، وإحياء العبادات الاجتماعية الغائبة، ولأبدأ بنفسي بعبادة الحب، والحث على اغتنام الأيام الفاضلة والساعات المباركة، وهو وإن كان ضعيفا، إلا أن أدلة الشرع متوافرة على ذلك من الحث على استباق الخيرات وتحين الفرص، كالدعاء يوم عرفة، وليلة القدر، وفي الثلث الأخير من الليل، وساعة يوم الجمعة، والدعاء حال السفر وفي مواضع السجود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى