مقال

الدكروري يكتب عن تأثيرات العصر العباسي ” جزء 10″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن تأثيرات العصر العباسي ” جزء 10″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وعموما فإن الضرائب الإسلامية كانت في الغالب تجبى سنويا، أما المكوس فتجبى شهريا أما إنفاق أموال الدولة فكان وفق رؤية السلاطين أو الخلفاء، فعلى الرغم من أن الشريعة قد نظمت طرق الجباية، لم تنظم طرق الإنفاق، ما أسهم في ارتباط طرق الإنفاق بشخصية الحاكم وحاشيته إذا كان مصلحا ملتزما أنفق المال في خدمة الدولة وتحسين مرافقها، أو أهمل الأمر كليا أو جزئيا، وقد نقل عن نفقات قصور الخلافة بأنها كانت تشكل ثلث واردات الدولة في بعض العهود، وأن إحدى مصادر الدخل كانت الغزوات فقد اعتاد العباسيون في عهود القوة تسيير غزوة كل صيف نحو التخوم والثقور، ودعيت هذه الغزوات بالصوائف، ولم يكن الهدف منها توسيع رقعة الدولة بقدر ما كان كسب غنائم وكميات نقد جديدة، سواء عن طرق الصلح بفرض الجزية، أم عن طريق الاستيلاء على مقدرات الأماكن المقصودة ونهبها ويمكن ملاحظة ذلك بأن مساحة الدولة لم تتسع حتى في عهود القوة.

 

كما هو الحال في الدولتين الراشدية والأموية من قبلها، والعثمانية من بعدها، وكان المجتمع العباسي مقسما من ناحيتين الأولى هي الناحية الدينية حيث يوجد عامة المسلمين، ومن ثم الموالي وهم العبيد المعتقون المسلمون، ومن ثم أهل الكتاب، وهم عموم رعايا الأديان التي اعترفت بها الشريعة الإسلامية، وأخيرا الرقيق، وهم العبيد والجواري الذين كانوا يباعون ويشترون أو يأسرون في عهد الدولة العباسية، أما الناحية الثانية، التي تم تصنيف المجتمع على أساسها، فهي الطبقة الاجتماعية على رأسها طبقة الحكام، والتي تشمل الخلفاء والأمراء والسلاطين والولاة والوزراء وقادة الجيش وقد تميزت هذه الطبقة بالثراء والبذخ وتذوق الفنون وأما الطبقة الثانية فهي طبقة علماء الدين والفقهاء، الذين كانوا يشكلون أساس النظام القضائي والفقهي والتعليمي بشكل كبير، خلال عهود ضعف الدولة، وأما الطبقة الثالثة فهي طبقة التجار، وهم بدورهم ينقسمون إلى تجار كبار وآخرين صغار.

 

أما التجار الكبار فغالبا ما كانت تجارتهم تقوم على الرقيق أو المجوهرات وغيرهما، ولهؤلاء علاقة وثيقة مع طبقة الحكام، وأما التجار الصغار فيندرج في إطارهم الحرفيون والصناع وأرباب المهن، وقد كانوا يشكلون العصب الرئيس لحياة المدن إلى جانب الطبقة الرابعة التي تشمل الفلاحين الأقنان والعبيد، ويضيف بعض الباحثين طبقة أخرى ممثلة بجند الجيش إذ كانت مهمة الجندية أشبه بمهمة دائمة آنذاك، وكأي مجتمع أهلي كانت العائلة تعتبر الركيزة الأساس للمجتمع العباسي حيث يرأس الأسرة كبيرها، ومن حوله زوجاته وأولاده، وفي بعض الأحيان أحفاده إذ إن الأولاد غالبا ما يتزوجون في منازل آبائهم، ويعملون في مهن آبائهم، ما أدى إلى تخصص العائلات بمهن معينة، أما المرأة في العصر العباسي فيمكن تمييز دورها في حقبتين الحقبة الأولى نرى آثارا عديدة لها في الحياة العامة فاشتهر عدد من المغنيات والشاعرات والأديبات، بل والسياسيات كخيزران وزبيدة زوجتي هارون الرشيد.

 

واللتين ساق لهما الباحث محمد خريس دورا أساسيا في جعل عصر الرشيد أزهى عصور العهد العباسي، ويرى عدد من الباحثين أن انتشار الخلاعة في قصور الخلفاء وأثرياء المجتمع قد أثر سلبا على وضع المرأة الاجتماعي خلال تلك الفترة، وفي المرحلة الثانية انكفأت المرأة من جديد نحو المنزل وأما على صعيد القصر، فقد برز عدة نساء أيضا كزوجة المقتدي شمس النهار، على ما روى ابن الأثير، وكذلك زوجة طغرل بك، والتي كانت سديدة الرأي فوّضها زوجها أمره في كثير من الأمور فكانت على أحسن تدبير، وكما أن الالتزام بالشريعة ومنكراتها كان متفاوتا بدوره فالمجتمع العباسي أساسا مجتمع متدين، غير أن الحانات ومجالس السمر العامة ومناطق بيع المشروبات الكحولية كان موجودا، خصوصا في المدن الكبرى حيث كان يختلط المسلمون بغير المسلمين، ممن تبيح لهم شرائعهم الخمر وغيره، ويقول الباحث والمفكر المصري قاسم أمين، في كتابه تحرير المرأة.

 

إن عادة النقاب قد ظهرت وانتشرت في العصر العباسي، تأثرا من المسلمين بزرادشتيي فارس، وأنه انحصر انتشارها بين نساء المدن والطبقات العليا، وليس بين الفلاحات في الريف كذلك فقد ندد أمين بعزل النساء في الحرملك، معتبرا أنها عادة عباسية أيضا، وكانت آراء أمين ومن تبعه في هذا الرأي تعتبر محل نقد من الباحثين المسلمين الآخرين الذي يؤكدون أن النقاب قد ظهر منذ عهد النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم، وله ركائز في القرآن والحديث النبوي، وكان العلم متاحا في المساجد والمدارس خلال عهود القوة، واحتضنت بغداد عددا من أشهر جامعات العالم وأقواها، غير أنه خلال عهود الضعف كان قلة من الناس فقط يرسلون أولادهم إلى المساجد لتلقن العلوم، وغالبا ما كان يكتفى بأكبر أبناء الأسرة ولم يكن العلم في المساجد، وهو ما يطلق عليه عامة اسم كتاتيب، يكفي سوى لتحفيظ القرآن، وانطلاقا منه تعلم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى